17 سبتمبر 2025
تسجيلرحم الله شوقي أمير الشعراء، إذ قال:أكلٌّ في كتاب الله إلا زكاةَ المالِ ليست فيه بابا أولئك القوم الذين تصرخ مدوية في ذواتهم وشخصياتهم كلمة (أنا) فملأت فضاء نفوسهم، وسدت آفاقها من جميع جهاتها، حتى تجردت من كل فضيلة، وخلت من كل شعورٍ نبيل، تجاه الآخر، وماتت فيها الرحمة، التي عند موتها لا يبقى بعدها شيءٌ حي في النفس البشرية، وما حياة الإنسان من غيرها، إلا حياةٌ دونها حياة الحيوان البهيم. أولئك أعداء أنفسهم، وهم الخاسرون، ولكنهم لا يشعرون.لا بارك الله في تلك (الأنا) المنتفخة المتورمة، المملوءة بالآفات والأمراض النفسية، وبالرذائل والآثام الخلقية، المتفجّرة على صاحبها بالسيئات المخزيات، ليس من هذا المصير بدٌّ.يا لَعظمِ ثواب من سعى وراء قضاء حوائج الناس، ومشى في إقامة شؤونهم، وأسدى إليهم المعروف، وأجمل الصنيعة عندهم، وكان في عونهم وغوثهم، ذلك أحب إلى الله مما سواه، واقرأ ملياً، هذا الحديث الشريف: "لأَن أمشي مع أخي المسلم في حاجةٍ، أحبُّ إلى من أن أعتكف شهرين في مسجد، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يثبتها له، ثبّت الله قدمه يوم تزلُّ الأقدام".لا ندري ما الذي دها الكثير وأصابهم، حتى كأنهم زاهدون في اصطناع المعروف، بل كأنهم مبغضون له، أذلك نتيجة (الأنا) التي وصفنا، أم هو ناتج عن الجهل الذي غيّب عنا فَهم ديننا؟ أرى أن هناك سبباً آخرَ لابد لي من ذكره، هو صغر النفس ومهانتها، التي لا تنشط لمكارم وفضائل الأعمال والخصال، ولا تحفل بما يرفع لها ذكراً حسناً، ويجعل لها ثناءً جميلاً، وما عرفت قول المتنبي:فأحسنُ وجهٍ في الورى وجهُ مُحسنٍ وأيمنُ كفٍّ فيهمِ كفُّ مُنعمِوكذلك قول شوقي:والمرءُ يُذكرُ بالجمائل بعدَه فارفعْ لذكرك بالجميلِ بناءَواعلمْ بأنك سوف تُذكرُ مرةً فيقالُ: أحسنَ، أو يقالُ: أساءَيا ويحنا، ألا ننظر في قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (كلُّ معروفٍ صدقة)، كلُّ معروفٍ، أيا يكن، صغر أو كبر، قل أو كثر، يُسدى إلى كائنٍ من كان، وليس أوسع ولا أجمع ولا أشمل، من كلمة المعروف، التي جاءت نكرة في الحديث، لتفيد العموم، ومؤكدة بلفظة (كل)، لينطوي تحتها كل معاني الخير والبر، والإحسان والنفع، وقد نهانا نبينا عن أن نحقر شيئاً من المعروف، دليل أهميته وفضله، ولو كان في ظاهره هينا، ففي الحديث: (لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)، والكلام بخصوص هذه المعاني الإسلامية، طويل جداً في ديننا، لا يمكن أن يسعه مقال. هنيئاً لمن جعل الله على يده تيسير أمور الناس، وقضاء حوائجهم، وكان في عونهم بالمعروف والإحسان، ليس من شيءٍ أعظمُ ولا أجملُ من ذلك، فطوبى له وحسن ثواب، وليستبشر وليسعد، ففي الحديث الشريف: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة). ماذا يبغي المرء أكثر من هذا؟!(موعظة جليلة): جاء عن ابن عباس، رضي الله عنه، أنه قال: لَأَن أعول أهل بيت من المسلمين، شهراً أو جمعة، أحبُّ إليَّ من حجة بعد حجة. ولطبقٌ بدانِق - عملة قليلة - إلى أخٍ لي في الله، أحب إليَّ من دينار أُنفقه في سبيل الله.