31 أكتوبر 2025

تسجيل

الإسراء والمعراج (2)

21 مايو 2015

إن موسم الطاعات يستمر مع العبد في حياته كلها ولا ينقضي حتى يدخل العبد قبره، فلا شك أن المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات والاستمرار في الحرص على تزكية النفس ومن أجل هذه التزكية شرعت العبادات والطاعات، وبقدر نصيب العبد من الطاعات تكون تزكيته لنفسه، وبقدر تفريطه يكون بعده عن التزكية، فالحديث عن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم له شجون خاصة لما نرى فيها من التكريم والتشريف للنبي صلى الله عليه وسلم، فلقد جعل الله عز وجل أيامنا عِبراً وذكريات ونفحات ربانية، إن رحلة الإسراء والمعراج كانت درسا تربويا نفسيا لا بد منه للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى يواجه أعباء الرسالة ويتحمل مسؤولياتها ويرفع رايتها، ويقف كالجبل الأشم لا يتزعزع ولا يتزلزل أمام هذه العواصف والمؤامرات، فيتعلم منها المسلم ما يتقرب به إلى ربه، ويأخذ منها العبر والمواعظ بما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه. لذا كان أهل الطاعات أرق الناس قلوبا وأكثر صلاحا، وأهل المعاصي أغلظ قلوبا وأشد فسادا، فلقد اختار الله من الأزمان أيام مباركات تكون وسيلة للإكثار من للطاعات، اصطفى فيها أياما ولياليَ وساعات، فضلا منه وإحساناً يمسحون فيها عن جبينهم وعثاء الحياة، ويستقبلها المسلمون ولها في نفوس الصالحين منهم بهجة، وفي قلوب المتقين فرحة، فرب ساعة قبول فيها أدركت عبداً، فبلغ بها درجات الرضا والرضوان.. وما زال الحديث ممتدا بنا حول ذكريات الإسراء والمعراج التي نتعلم من خلالها إكرام الله تعالى لنبيه وحبيبه، فلقد أولاه شرفا ما بعده شرف، وأولاه نعمة ما بعدها نعمة وإكراما ما وراءه إكرام، فعندما أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم الرسالة، وقام الرسول بمهمة الدعوة، وواجه المشركين بدعوته، وجاهرهم برسالته، وأبلغهم أمر السماء وسمعت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم تكن تسمعه، ورأت منه ما لم تكن ترى، فقررت قريش مقاطعة بني هاشم في شعب أبي طالب للضغط على النبي لهجر دعوته، ولكنها لم تفلح، يقول الله تعالى: "إنه من يتَّقِ ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" يوسف:90، وبعد انهيار هذا الحصار وخسران قريش، أمام ثبات النبي صلى الله عليه وسلم وتصميمه على المضي قدما في طريق نشر دعوته، وبث النور على أرجاء المعمورة في ظل لا إله إلا الله،فقد اشتد البلاء على رسول الله من سفهاء قومه، وتجرؤوا عليه فكاشفوه بالأذى، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، رجاء أن يُؤوه وينصروه على قومه ويمنعوه منهم، فدعاهم إلى الله عز وجل، فلم ير منهم من يُؤويه، ولم ير منهم ناصرا بل آذوه أشد الأذى، ونالوا منه ما لم ينله من قومه، فيلتهج لسان النبي صلى الله عليه وسلم مناجيا ربه بهذه الكلمات: "اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربي وأنت رب المستضعفين.. إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ فإن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي.. غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل عليّ غضبك، أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى.. ولا حول ولا قوة إلا بك" أخرجه الطبراني.. وبعد هذا الحزن والعناء للنبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" الإسراء:1، فبعد كل ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم من الهوان والأسى والجفاء والأذى في الطائف، أسري برسوله صلى الله عليه وسلم، ومنه إلى ما شاء الله من القرب والدنو، والسرى في السماوات ومشاهدة الآيات والاجتماع بالأنبياء، فقد أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، ثم عرج به في تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا، فرأى من آيات ربه الكبرى، وشاهد الأنبياء عياناً، فدعَوا له ولأمته ثم عُرج به إلى الجبار جل جلاله، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة في اليوم والليلة، وعند رجوعه يلتقي بموسى عليه السلام فيقول له: إن أمتك لا تطيق ذلك، فينادي عليه الجبار في السموات العلا أنْ يا محمد ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد.. جعلتها خمساً في العمل، وخمسين في الأجر.. ما أجمل هذا التكريم من الجليل لحبيبه صلى الله عليه وسلم ولأمته!! أن الحسنة بعشر أمثالها.