30 أكتوبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); في فيينا للمرة الأولى، لأقر مع "محمود دارويش" بأن "الدانوب ليس أزرق" أو أنه أزرق فقط في مقطوعة "يوهان شتراوس" لكنه على الأرض يغلب عليه لون الطمي الذي يحمله ليصبغ النمسا باللون الأخضر، حيث الأشجار في كل مكان، والخصب سيد الموقف.أربعة أيام قضيتها في فيينا، غاب عنها اللون الأزرق ـ إلا قليلا، إذ تصادف أن هذه الأيام هي ـ بالضبط ـ الأيام التي يسميها النمساويون "رجال الثلج الأربعة" فهي أيام باردة، كثيرا ما تكون جليدية، لكنها هذه المرة كانت "ممطرة" فحسب، وأعني بـ"ممطرة" أن المطر لم يتوقف طوال 4 أيام إلا بضع دقائق، وحين انقشعت السحب كنت في الساعات ـ الأربع أيضا ـ الأخيرة من الزيارة، لكنها كانت كافية لنرى زرقة نقية في سماء بددت غيومها، لتنسينا في دقائق ما كانت عليه طوال أيام، فكأنها لم تكن غائمة قط.اللافتات في كل مكان تشير إلى أننا في دولة اسمها "أوسترايش" بمعنى "الرايخ الشرقي" حيث ألمانيا هي "الرايخ الغربي" فمن أين جاء اسم "النمسا" الذي يتداوله العرب؟يقال إن أصل التسمية هو الكلمة الروسية "نيامياتسكي" أي "ألماني". لكن الراجح هو أننا نقلنا التسمية عن الأتراك، في زمن الدولة العثمانية، والأتراك بدورهم نقلوا الاسم عن المجريين، وكان العثمانيون يكتبون "نمسه" أو "النمسا" ويميلون الألف الأخيرة (أي يلفظونها بين مخرجي الألف والياء). وفي اللاتينية فإن "نيمَس" تعني المرج. وهناك منطقة في "التشيك" المجاورة للنمسا تسمى "نيمسى" أو "نيكمى" بالألف الممالة أيضا.وإذا كان "الخصب" هو "روح" ذلك المرج المسمى "النمسا" فإن الحروب القاسية الطويلة تركت بصماتها واضحة على "الجسد". والبصمات الأكثر ظهورا ـ من دون شك ـ خلفتها الحرب العالمية الثانية، التي يمكن ـ بسهولة بالغة ـ تمييز البيوت التي أنشئت عقب نهايتها بفقر طرازها المعماري وخلوه من الإضافات الجمالية، ولن يفوت المتأمل أن يلاحظ ـ بكل تقدير ـ تمسك أهل فيينا بما استطاعوا من جمال، إذ حرصوا على تشييد مباني الحرب الفقيرة طبقا للهيكل الأساسي نفسه الذي يميز ما جاورها من مبان. والدرس المستفاد: إن لم تستطع أن تنشر الجمال، فاحرص على ألا يطغى القبح.درس يمكن أن نراه واضحا في مبنى جميل من مباني فيينا، تدهشك معرفة أنه فرن كبير مخصص لحرق القمامة، واستخدامها في تسخين المياه، التي تمتد في أنابيب وتصل إلى الكثير من منازل فيينا، لينعم السكان بالمياه الدافئة بمقابل لا يذكر، كما ينعمون بالدفء الذي تنشره أنابيب المياه الساخنة داخل بيوتهم.فكرة مدهشة، لكنها أيضا تدعو إلى الحسرة، حين نتذكر أن "القاهرة القديمة" كان بها أماكن يعرف كل منها بـ"المستوقد"، مخصصة لحرق القمامة، لتدفئةمياه الحمامات العامة، وإنضاج "الفول" ـ الطعام الشعبي الرئيسي ـ في قدوره الكبيرة، كما كان رماد الحريق يستخدم في البناء، بديلا للأسمنت كمانعرفه اليوم. وما زال هناك حديث آخر عن فيينا.