11 سبتمبر 2025
تسجيلبإقدامها على اعتقال السيد الصادق المهدي، زعيم طائفة الأنصار الدينية، الطائفة الأكبر عددا والأشرس في مقاومة كل الأنظمة الدكتاتورية التي مرت على السودان،و رئيس حزب الأمة القومي، الحزب السياسي الأقدم والأكبر في السودان، بإقدامها على تلك الخطوة غير المتوقعة في هذا الوقت بالذات، تكون حكومة الرئيس البشير قد أقدمت على مجازفة سياسية خطيرة قد يكون لها ما بعدها. وتكون الحكومة قد وضعت مبادرتها لإطلاق حوار وطني للبحث عن وفاق وتراض وطني شامل يخرج البلاد من أزماتها التي طالت واستطالت، تكون قد وضعتها في مهب الريح. وأعادت الأزمة إلى المربع الأول بشهادة معظم المراقبين وخبراء العلوم السياسية. توجيه تهمة تقويض الدستور للسيد المهدي تحت المادة (50) من القانون الجنائي التي تصل عقوبتها حد الإعدام، هو عمل يفتقد إلى التدبر الكافي وأعمال المنطق الحصيف. فالسيد المهدي كان الزعيم المعارض الوحيد الذي رفض اللجوء إلى العنف والاستنصار بالأجنبي في مقارعته للحكومة. وكان ذلك الموقف قد جرّ على السيد المهدي انتقادات حادة من كل الطيف السياسي في السودان. بل ومن قيادات نافذة من حزب الأمة ناصبت السيد المهدي عداءا مكشوفا بسبب مواقفه تلك التي اعتبرتها تلك القيادات مواقف مهادنة ومشبوهة. خطوة محاكمة السيد المهدي بتهمة تقويض الدستور هي خطوة تدق المسمار الأخير في نعش الاعتدال في العمل السياسي السوداني. وتكون العناصر المتطرفة في النظام والمعارضة، الرافضة للحوار قد كسبت الرهان في هذه الجولة. وأرسلت عملية البحث عن التراضي السياسي في إجازة مفتوحة. من المؤكد أن أول الرابحين من هذه التطورات هم العناصر الجديدة التي وفدت إلى مواقع القيادة للتو بعد إزاحة عناصر الحرس القديم الذي تمترس في مكانه على مدى ربع قرن من الزمن. العناصر الجديدة لن تكون متحمسة بطبيعة الحال لأطروحات الحوار الوطني التي تتحدث عن وفاق شامل وعن فترة انتقالية قد يكون القادمون الجدد هم أول ضحاياها قبل أن يتيسر لهم الوقت لاغتنام مزايا وضعهم الجديد. معظم المحللين يتجهون إلى الاعتقاد الذي يرمى مسؤولية التصعيد السلبي الحالي على عاتق هذه المجموعة التي يتحدث بعض قادتها الذين لم يسمع بهم أحد من قبل، يتحدثون بلغة سمجة لا تليق مثل وصف احدهم للسيد المهدي بالكذاب رغم مكانة الرجل كرئيس وزراء سابق منتخب وكزعيم روحي للملايين من الناس وكشيخ كبير السن تعرفه المحافل الدولية التي لم تسمع بمطلق هذه الألفاظ الجارحة في حق أي إنسان. بعض قيادات الأنصار ردت على الفور بغضب وسخرية واستخفاف وتحد. وقالت إن الذي قوض الدستور هو من قام بانقلاب عسكري على نظام ديمقراطي وألغى دستورا قائما وأشعل حربا جهادية انتهت بانفصال الجنوب. مثلما أشعل حروبا جديدة في النيل الأزرق وفي كردفان، ووسع حروب دارفور باختراع حروب عديدة بين القبائل إنفاذا للمبدأ الميكيافلي القديم - فرق تسد! هذا التهاتر المتسع يقول لمن يسمع ويرى إن طريق الوفاق والتراضي في السودان ما زال غير سالك.