28 أكتوبر 2025

تسجيل

قطر طوت صفحة الحصار ومرت إلى الطفرة الثقافية

21 أبريل 2018

قبل أن ينقضي عام على انطلاق المكيدة شعر القطريون والمقيمون في الدولة بأن الحصار الجائر يتحول تدريجيا إلى ذكرى تمحوها الأيام، نعم ذكرى مريرة لأن الطعنة جاءت من الخلف وبأيدي بعض "الأشقاء" ولكنها ذكرى أصبحت مركونة في أرشيف الشعب القطري فالأجدر بهذا الشعب الطيب المسالم أن يواجه المستقبل وراء قيادته الحكيمة وهو يعتبر بما حدث من باب الاعتبار الضروري واستخلاص الدروس الثمينة والعبور نحو ما ينفع الناس لأن زبد المكيدة مصيره أن يذهب جفاء. هذا هو الإحساس العام الذي يسود المجتمع القطري بعد شهور من الخامس من يونيه 2017 وندركه بيسر حين نشهد الحفل البهيج الذي أقيم الثلاثاء الماضي تحت إشراف صاحب السمو الأمير المفدى وبحضور صاحب السمو الأمير الوالد وصاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر بمناسبة تدشين أضخم مكتبة وطنية عامة في المنطقة هي بمثابة القلب النابض للفكر والمخزون الثري للثقافة وتستجيب لأحدث مناهج البحث التكنولوجي بواسطة التخزين الذكي المبرمج ومصممة لاستقبال مختلف الأجيال بمختلف اللغات للتزود بالعلم والتسلح بالمعرفة. وهذه الرسالة الحضارية التي تواصلها دولة قطر ليست جديدة أو بنت الساعة فقد كتب الله لي أن أزور الدوحة وأتردد عليها منذ سنة 1977 قبل أكثر من أربعين عاما للمشاركة في معرض الكتاب آنذاك قبل أن تنظم دول أخرى معارض للكتاب وكنت في شبابي أشتغل في مجال النشر ودعيت تونس لتعرض إنتاجها من كتب أدبية وتراثية وأدب أطفال في معرض الدوحة للكتاب وتشرفت أن كنت العارض لكتب بلادي إلى جانب ناشرين عرب في قاعة قديمة بمنطقة اللقطة وكانت وزارة التربية والتعليم القطرية هي منظمة المعرض وكان وزيرها سعادة الشيخ محمد بن حمد صاحب الأيادي البيضاء على التراث العربي ووكيل الوزارة على ما أذكر عبدالعزيز عبدالله تركي السبيعي وكان المعرض يستقبل الطالبات والزائرات صباحا ويستقبل الطلاب والشباب عصرا. وأذكر عديد لقاءاتي بالكاتب السوداني العبقري الطيب صالح صاحب رواية (موسم الهجرة للشمال) وكان هو رئيسا لتحرير المجلة القطرية الرائدة (الدوحة) والتي كانت صاحبة الفضل الكبير في نشر الفكر المستنير وحفظ الثقافة العربية وصيانة لغة الضاد في كل أرجاء الوطن العربي بالتوازي مع مجلة العربي الكويتية وتعلمت منها أجيال السبعينات العربية لأنها كانت تباع بثمن رمزي في كل مدن العرب وتستمر المجلة اليوم في الصدور على أيدي شباب مثقف متحمس أمثال ابني فالح الهاجري كما عززها الزميل الفاضل د. علي أحمد الكبيسي وكان الطيب صالح -رحمة الله عليه- يقيم في الدوحة في السبعينات ويأنس للمناخ الثقافي الذي توفره الدوحة لساكنيها فقد حظيت في تلك السنوات البعيدة بالاطلاع على ما سميته الطفرة الثقافية والعلمية (قبل الطفرة النفطية لأن قطر الحبيبة ليست نفطا فقط بل ثقافة وحضارة وعروبة) على أيدي العبادلة الثلاثة منارات الفكر والدين والأدب وهم رحمة الله عليهم عبدالله آل محمود وعبدالله السبيعي وعبدالله الأنصاري. أستعيد هذه الذكريات لأقول للشباب القطري اعتزوا بما حققته دولتكم في مجالات المعرفة حين ترتادون المكتبة الكبرى واعتبروا بزوال أعراض المظالم التي سلطها بعض الجيران على شعبكم لأن الذي يبقى ويخلده التاريخ هو تلك العبقرية القطرية المتميزة التي رعتها القيادة بحرص وتبدو اليوم للعالم من خلال المدينة التعليمية التي أسستها صاحبة السمو الشيخة موزا صرحا عاليا تدخل به قطر للألفية الجديدة بأدوات العصر ومن خلال تلك النهضة التربوية والجامعية التي دفعت بسمعة البلاد نحو تحقيق مجتمع المعرفة وأنا ممن يؤمنون بأن تلك الأصالة الثقافية والفكرية التي غرستها القيادة القطرية في التربة الصالحة هي التي ساهمت في التأسيس لجيل من الشباب القطريين واجهوا اليوم سنة 2018 تحديات الحصار بعزيمة لا تفل وإرادة لا تهزم متعلقين بوطنية قوية ترفض المزايدات وهمة راسخة تأبى المهاترات، فكان النصر المبين حليف دولة قطر بفضل مستوى شعبها وبفضل الرهان على تسليح الجيل بالعلم وتمكينه من التفكير وإعمال العقل فتحقق للمجتمع القطري بنيان مرصوص من التعلق بالوطن والتمسك بسيادته وحرية قراره والتف الشعب مواطنين ومقيمين حول معنى الوطن الحاضن محبطين مؤامرات الشر ومتجاوزين مرحلة الحصار لما هو أجدى وأبقى. هذه هي العبرة من افتتاح المكتبة الكبرى التي ترمز لتواصل اليوم بالأمس وارتباط الحاضر بالماضي إلى جانب إنشاء المتاحف لحفظ تراث الأمة وتأسيس الجامعات لتعزيز العلم وتخريج أجيال متعاقبة من الشباب الحامي للوطن والمتصدي للمكائد والحامل للأمانة.