15 سبتمبر 2025
تسجيلالابتلاءات التي نعيشها في العالم العربي كبيرة وكثيرة ومتعددة وضخمة، فالناظر إليه يجد أنه يطفو فوق بحر من الدماء، من العراق إلى سوريا وفلسطين ومصر وليبيا والسودان واليمن، فلا نكاد نجد خبرا يسر البال أو الخاطر. العرب هم أكثر شعوب الأرض تشردا وتشريدا ونزوحا، فنصف الشعب الفلسطيني بين مشرد ونازح ولاجئ والنصف الآخر تحت الاحتلال والحصار، ونصف الشعب السوري مشتت ومهجر خارج دياره وملايين العراقيين والصوماليين واليمنيين والليبيين يبحثون عن مأوى، ومدينة عربية كاملة مسحها الانقلابي عبد الفتاح السيسي عن وجه الأرض في سيناء، وهي مدينة رفح التي تعد واحدة من أقدم مدن العالم وشرد أهلها الآمنين.لا تقف البلوى عند هذا الحد، فقد ابتلي العرب ببعض من أسوأ الحكام في الدنيا، ساموا الناس العذاب وأوردوهم الفقر والحرمان والفاقه، وحولوا حياتهم إلى نكد ما بعده نكد، يساعدهم في ذلك واحدة من أسوأ النخب على وجه الأرض، نخب ساقطة أخلاقيا لأنها تماهت من الظلم والظلام والدكتاتورية والطغاة والعسكر، وإعلام يزمر بأبواق الشيطان لا يدعو إلى خير، ويقلب الحقائق ويزين الشرور ويزيف الوقائع ويخلق واقعا موهوما متوهما لا يعدو أن يكون سرابا يحسبه الظمآن ماء.ليس هذا فحسب، بل لقد ابتلي العالم العربي بالإدارة السيئة القائمة على الفساد وعدم الكفاءة وإهدار مقدرات الأمة ونهبها، وهي الإدارة التي تحتل قاع قائمة التصنيفات العالمية، إدارة تعتمد في عملها على السلطة بدل الكفاءة، وعلى التسلط بدل النقاش والحوار، وعلى المنافقين والمتزلفين بدل أصحاب الرأي والموقف الناقد ، وعلى الولاء والطاعة بدل الخبرة والمهارة.لقد أدت هذه البلاوي وعلى رأسها بلوى سوء الإدارة إلى تراجع مستوى العرب في العالم إلى الدرك الأسفل، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ورياضيا، فسياسة العرب تقوم على نماذج غربية لا تصلح لنا، واقتصاد العرب يعتمد على النفط والغاز ولا يقوم على الصناعة والإبداع، وكل الدول العربية مجتمعة لا تحصل إلا على بعض ميداليات يحصدها لاعب واحد من لاعبي الدول المتقدمة.. كل ذلك بسبب الإدارة الفاسدة المتخلفة البطيئة غير المبدعة.هذه الإدارة غير الكفؤة أعطتنا أسوأ المدارس والجامعات والكليات، فالتصنيفات العالمية لا تضع أي جامعة عربية ضمن أول 500 جامعة في العالم، والطلاب العرب في ذيل قائمة الرياضيات والعلوم واللغة، وبينما يقاتل العالم المتقدم من أجل محو الأمية الثقافية فإن أمية الكتابة والقراءة تغزو العالم العربي، بل إن اليونسيف واليونسكو أعلنتا أن 15 مليون طفل عربي خارج المدرسة وأن 6 ملايين طفل مهددون بفقد مدارسهم، مما يعني أن المستقبل العربي سيكون "أميا وجاهلا".هذا شكل من أشكال أزمة الإدارة العربية، فمدير يتخذ قرارا في صحيفة صغيرة يتسبب بتكبيدها 70 مليون دولار من الخسائر، ويجد 700 صحفي وموظف وعامل في الصحيفة أنفسهم في مهب الريح، ومعهم بالطبع 700 عائلة، بسبب قرار أحمق من مدير متسلط، ومع ذلك لا أحد يحاسب هذا المدير أو غيره من المديرين الذين اتخذوا قرارات أهلكت المؤسسات ودفعتها إلى الإفلاس والإغلاق.مشكلة الإدارة في العالم العربي أنها متخلفة، والمدير يحكم بقوة السلطة لا بقوة الكفاءة والخبرة، ويصدر قراراته وكأنه "الحاكم بأمره" دون اعتبار للمشورة، ولا يشاور إلا ملزما، دون أن يعني ذلك أنه سيأخذ برأي الجماعة، وعادة ما تكون الاستشارة من مجرد "ديكور".الحالة الإدارية في العالم العربي "داعشية" بامتياز، فهي تقوم على السلطة والتسلط واحتكار القوة والرأي وامتلاك الحقيقة، وإذا ما أردنا تغييرا في عالمنا العربي فعلينا أن نغير مناهجنا وأنماطنا الإدارية الدكتاتورية، والا فإننا سنغرق في المزيد من المآسي والأزمات.