15 سبتمبر 2025
تسجيلحكومة الرئيس عمر البشير في السودان وضعت نفسها أمام امتحان غير يسير بحر أرادتها عندما قررت رفع القيود الأمنية على النشاط الحزبي في البلاد بعد أكثر من عقدين من الزمن قيدت فيهما النشاط الحزبي بجميع صوره. و قد جاء قرار رفع القيود الأمنية عن النشاط الحزبي تمريرا للقرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس البشير في هذا الشهر و سمح بموجبه للأحزاب بممارسة نشاطها السياسي داخل وخارج دورها مقابل طلب الإذن من السلطات المختصة. ومعروف أن الحكومة السودانية تبحث الآن عن مخارجة تصالحية داخلية مع شعبها ومعارضيها في ظل الأوضاع الداخلية الاقتصادية والسياسية والأمنية المتردية التي دخل فيها السودان منذ حوالى الثلاث سنوات، حين انفصل جنوب البلاد عن شمالها، وحين تفجرت حربان جديدتان في جنوب إقليم كردفان. وفي جنوب إقليم النيل الأزرق. بالإضافة إلى الحرب الأقدم المستمرة في إقليم دارفور الواسع منذ عام 2003. الحكومة السودانية في سبيل إثبات مصداقيتها التصالحية هذه قررت رفع القيود عن النشاط الحزبي عسى أن يدفع ذلك باتجاه مصالحة وطنية شاملة تنقل السودان إلى مربع جديد تكسب الحكومة فيه بقاءها لأجل جديد. وتكسب المعارضة جزءا مما تطالب به وإن كان الأمل ضعيف جدا فى حصولها على كل ما تريد، مثل إلغاء القوانين المقيدة للحريات التي تتعارض مع نصوص الدستور السوداني بصور فاضحة. المهم هو أن الحكومة جربت الآن تناول الجرعة المرة الأولى من الدواء الموصوف لعلاج الأسقام الديمقراطية في سودان الرئيس عمر البشير الذي تلاحق العدالة الدولية فيه عددا من قادته على رأسهم الرئيس نفسه، ووزير دفاعه. بقيامها بالخطوة الشجاعة الأولى المتمثلة في السماح بقيام أول ندوة سياسية مفتوحة كالت فيها المعارضة للحكومة الانتقادات المرة والشتائم القاسية، وأكثرت لها من الوعد والوعيد أمام أعين وسمع أجهزة الأمن التي رابطت قريبا من موقع الندوة الساخنة دون أن تتدخل لتفريقها بالقوة مثلما كان يحدث في الماضي ، تكون الحكومة قد اجتازت الاختبار الذي وضعت نفسها فيه بحر ارادتها. وهي تجربة غير يسيرة على نظام ظل على مدى ربع قرن من الزمن لا يسمح حتى أن يمس النسيم الهفيف عارضيه ناهيك أن يتجهمه المعارضون بالوعد والوعيد. صحيح أن القرار الجمهوري الذي أصدره رئيس الجمهورية بتنظيم النشاط الحزبي ما زال يسلب الأحزاب كثيرا من حقوقها الدستورية حين يبدو النظام وكأنه يتفضل عليها بما هو حقها الدستوري. ولكن قديما قيل إن المليون ميل يبدأ بخطوة واحدة. فقط يبقى ان ننتظر لكي نرى هل تتحمل الحكومة مباضع الجراحين الكثيرين الذي سيعملونها فى جسد الحكومة كلما تنادى القوم إلى نبش كل الذي ظل مخفيا سنين عددا. ولكنه معلوم للكافة. ففي عالم ثورة المعلومات لم يعد هناك سر مكتوم. أول ندوة جماهيرية مفتوحة سمحت بها حكومة الرئيس البشير للمعارضة الديمقراطية في السودان بعد ربع قرن من المنع وضح للمراقبين والمشاهدين أن توجس الحكومة من هكذا ندوات كان له ما يبرره.. فقد احتشدت ألوف كثيرة من المواطنين بصورة تلقائية لكي تستمع إلى ندوة المعارضة الأولى التي وجهت أجهزة الأمن بعدم تفريقها بالقوة كما كان يحدث حتى الماضي القريب. ووسط الهتافات المدوية المعادية للحكومة اسمع المتحدثون نيابة عن الأحزاب المعارضة ، اسمعوا الحكومة ما لا مزيد عليه من الشتائم المرة ، والتهديدات العنيفة باجتثاث النظام من جذوره مع ترديد التهم القاسية بفساد الحكومة ومنسوبيها ، و فظاعة ما ارتكبته من قتل وتقتيل. ومع هذا يمكن القول أن المعارضة كشرت عن أنيابها الحادة بينما اجتازت الحكومة الاختبار الأول. وفي انتظار المستقبل القريب دعونا نأمل خيرا : وقديما قال الشاعر الطغرائي :أمني النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل