11 سبتمبر 2025
تسجيليشكل العنف والإفراط فيه أحد أهم مظاهر التجربة السياسية والاجتماعية في العراق المعاصر، فالعنف والتدمير والإيغال في العداء والمبالغة في ردود الأفعال، وحتى الاجتثاث والاستئصال، هي للأسف من الصفات التي توفرت فيمن يدير العملية السياسية في العراق، وهو مؤشر على بلوغ الاحتقان الاجتماعي والإفلاس الفكري وحتى الأخلاقي للنخب السياسية حدوده القصوى!. لقد رفع ائتلاف دولة القانون مثلا وهو الائتلاف الطائفي الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق المخلوع نوري المالكي شعارًا فاشيًا يقول (الرجال بالرجال والسلاح بالسلاح)، ردًا على تهديدات مقتدى الصدر باقتحام المنطقة الخضراء من أجل تلبية وتنفيذ المطالب الإصلاحية، التي بشر بها حيدر العبادي رئيس الحكومة الحالي، ولم تر النور أو تتبلور للعيان، وطبعا شعار المالكي وجماعته شعار عدواني تحريضي يبشر بسفك الدماء كما كان الحال مع ساحات الاعتصام للمدن العراقية في الحويجة مثلا والتي كانت عنوانا فظا على الروح الهمجية والفاشية التي يحملها قادة حزب الدعوة الطائفي، وهو حزب ذو تاريخ إرهابي معلوم ومعروف وموثق، بداية من العمليات الانتحارية في بيروت ضد السفارة العراقية هناك عام 1981 مرورًا بأفعال القتل والتدمير في العراق، وصولًا لما فعله حزب الدعوة في دولة الكويت من إرهاب دموي فظ أعوام 1983 و1985 و1988.. إلخ. وهذا الملف الإرهابي بتفاصيله المرعبة يشكل التاريخ (النضالي) لذلك الحزب، وتهديدات حزب الدعوة الفاشية بسفك الدماء تذكرنا بصفحات سوداء من التاريخ العراقي المعاصر حينما رفع علي صالح السعدي، الأمين القطري لحزب البعث العراقي، في انقلاب 8 فبراير 1963 ضد حكومة اللواء عبد الكريم قاسم شعار: (اذبحوهم حتى العظم)!! في مواجهة الشيوعيين العراقيين الذين كانوا في خندق الدفاع عن نظام عبد الكريم قاسم، في وقت وصلت فيه الخلافات بين القوى السياسية العراقية المتخاصمة والمتنافرة وقتذاك ذروتها في ظل حالة التحريض والحرب الباردة ومؤثرات تلك المرحلة، وحيث سفكت دماء كثيرة دون نتيجة، بل خسرت جميع القوى السياسية العراقية مصداقيتها ومقبوليتها، ودخل العراق في مرحلة صدام دموي وحفر لخنادق الكراهية بين مكوناته لم تنته حتى اليوم ولا زلنا نعايش إفرازاتها الضارة، التلويح بالتصفية وحسم النزاعات من خلال ذبح الخصوم عملية بائسة تدل على خيبة وانكسار وفشل الفرقاء السياسيين. لقد دخل العراق منذ النهاية البشعة للنظام الملكي الدستوري الشرعي في 14 يوليو 1958 في حمامات دم مستمرة لم تتوقف أو تهدأ وتيرتها إلا قليلا، وكانت جثث السياسيين العراقيين ومنهم قادة النظام الملكي الراحل المسحولة في شوارع بغداد في عز قيض ذلك العام الدامي بمثابة خارطة طريق مستقبلية لما سيكون عليه الحال في العراق مستقبلا، وفعلا فمع انقلاب العسكر فتحت بوابات الجحيم، وتهاوت القيم الحضارية، وانهارت المؤسسات الدستورية، وكانت حالة الحرب الأهلية هي سمة الحياة العراقية للأسف لسنوات طويلة، ثم جاءت مرحلة الحروب الإقليمية الكبرى كالحرب العراقية/ الإيرانية لتدشن عصرا دمويا جديدا تكرس مع انتشار وتفشي الروح العسكرية في المجتمع وسيادة ثقافة الحروب وتمجيد الدم، بعدها كان احتلال وغزو الكويت عام 1990، والذي بدل الكثير من القناعات والرؤى على مستوى الفكر القومي، اليوم العراق وهو يواجه حروب الملل والنحل حتى ضمن الطائفة الواحدة يعاني بحدة من إشكاليات وتفاعلات ونتائج التشرب بالروح الفاشية في حسم الخلافات، والديمقراطية التي هبطت مع قوات الاحتلال لم تنجح للأسف في خلق مجتمع متسامح ينحو منحى حضاريا في حل خلافاته ومشاكله، لأن من يقود التحول الديمقراطي ليسوا - ويا لسخرية الأقدار - سوى جماعات وأحزاب طائفية وفاشية تربت على مفاهيم وأسس وثقافة لا علاقة لها بالديمقراطية ولا قيمها المتسامحة، فكيف نطلب من طائفي تكفيري إقصائي يؤمن بالعنف كطريق وحيد لحل الخلاف أن يقود تحولا ديمقراطيا!!، ففي النهاية الإناء ينضح بما فيه!.