16 سبتمبر 2025
تسجيلخلال عقد الستينيات من القرن العشرين الغارب، كان أبناء جيلي شبانا طامحين وطلابا جامعيين، يتنافسون في محاولة تذوق الحياة، كما كانوا يندفعون للارتواء من ينابيع الثقافة والفكر والفن، وقد كانت- في معظمها - ينابيع رائقة وعميقة، ولو أنني استدعيت ذاكرتي فيما يتعلق بالكتاب الصحافيين الكبار الذين كنا نتابع بشغف كتاباتهم ومقالاتهم فإني أستطيع أن أحصرهم في عدة أسماء: محمد حسنين هيكل – أحمد بهاء الدين – أنيس منصور – وكامل زهيري، وفيما يتعلق بي فإني كنت معجبا إعجابا عاطفيا جامحا بالأستاذ هيكل، وكان ملحق الأهرام الذي يصدر كل يوم جمعة بمثابة مدرسة شاملة، حيث يتصدره مقال بصراحة الذي يكتبه رئيس تحرير الأهرام – الأستاذ هيكل- كما تتلاقى على صفحاته قصص قصيرة أو روايات مسلسلة لنجيب محفوظ، ومسرحيات تنشر في حلقات لتوفيق الحكيم، وقصائد لصلاح عبدالصبور، وكتابات نقدية عميقة للدكتور لويس عوض، وكتابات متخصصة في الموسيقى للدكتور حسين فوزي. أردت من وراء هذه السطور الاستهلالية أن أشير إلى مدى إعجابي العاطفي بكتابات الأستاذ هيكل منذ كنت شابا وطالبا جامعيا، وأن أشير كذلك إلى أن هذا الإعجاب لم يعد عاطفيا مجردا، ولكنه أصبح إعجابا مقترنا بالعقل الذي يناقش ويتأمل ما يعرضه الكاتب على قارئه، لكي يتعرف على أوجه الاتفاق أو الافتراق بين طرفي المعادلة: الكاتب والقارئ، ومن هاتين الإشارتين أنطلق للقول إني قد استمتعت بقراءة: مبارك وزمانه – من المنصة إلى الميدان، وهو الكتاب الجديد للأستاذ، والذي استعدت أثناء عكوفي على قراءته جمال اللغة ورشاقة العبارة والقدرة الفائقة على التشويق، وكلها أمور- كنت وسواي- قد حرمنا منها منذ أعلن الأستاذ عن رغبته في اعتزال الكتابة سنة 2003 وكان هذا الإعلان بعنوان: استئذان في الانصراف – رجاء ودعاء.. وتقرير ختامي، ومن بعده تفرغ الأستاذ لإطلالته- لا على قرائه وحدهم - وإنما على مشاهديه في قناة الجزيرة القطرية عبر حلقات مع هيكل – تجربة حياة، وهي حلقات خلفت ما خلفت من مواقف مؤيدة أو رافضة، رافقتها عواصف مع أو ضد، لكنها – في الوقت نفسه- حرمتني من جمال اللغة ورشاقة العبارة وإن لم تحرمني من قدرة الأستاذ على التشويق. والحق أن كتاب مبارك وزمانه لم يعدني – فحسب - إلى ما كنت قد حرمت منه حرمانا قاسيا وإن كان غير مقصود ولا متعمد، وإنما دفعني- متشوقا - إلى إعادة قراءة كتب أو فصول من كتب سبق للأستاذ أن أصدرها على امتداد سنوات ماضية، من بينها كتاب لمصر لا لعبد الناصر، والمجلد الثاني من حرب الثلاثين سنة وهو بعنوان 1967 – الانفجار، إلى جانب كتاب خريف الغضب- قصة بداية ونهاية أنور السادات، أما لماذا رجعت لهذه الكتب ولسواها؟ فإن الإجابة على السؤال تتطلب حديثا آخر، فإلى اللقاء.