16 سبتمبر 2025
تسجيلمن نقاطع، إذا كان العالم كله قد أصبح ضدنا؟ من نقاطع إذا كان القاصي والداني قد أمعنوا في إذلالنا؟ نقاطع الصين التي تقتل إخواننا المسلمين وتستعبدهم في معسكرات الاعتقال وتمنعهم ليس فقط من ممارسة دينهم ولكن حتى من التفكير فيه؟ أم نقاطع الهند التي تضطهدهم وتهدم مساجدهم وتعمل على محو ذكرهم، ولا تكتفي بذلك بل تسلط عليهم وعلينا سفهاءها من سياسيين وإعلاميين ليسيئوا إلى ديننا ونبينا الكريمﷺ؟ أم نقاطع ميانمار التي تحرق المسلمين أحياء وتشردهم في كل مكان؟ أم نقاطع فرنسا، أم الدنمارك، أم السويد... إلخ، الذين يتجرأون على أغلى مقدساتنا؟ أم نقاطع شركات وهيئات ومؤسسات دولية، لا حصر لها، لا تفتأ تتآمر لتفرض علينا ما لا يرضي ربنا من شذوذ الفكر والجنس وغيره؟ وفي حديث الشركات يجدر أن نوضح ما لا يعرفه كثيرون من أن الولايات المتحدة (الدولة الأقوى في العالم) شركة وليست دولة في الحقيقة. وهذا ما أشار إليه كُتاب عرب منهم الراحل محمود السعدني في كتابه «أمريكا ياويكا» وكُتاب أجانب منهم شينالي وادوج سفيرة النوايا الحسنة السريلانكية التي أفاضت في توضيح الصفة «الكوربوراتية»، أي مواصفات الشركة، التي يحملها نظام الولايات المتحدة برغم محاولات يائسة، من وسائل إعلام النُّخب، لدحض هذه الحقيقة ونسبتها إلى نظرية المؤامرة. وليس صعبا على أي متابع أن يلحظ أن الحكومة الأمريكية تسمى إدارة مثل إدارة الشركات، كما أن رئيسها لا ينتخبه الشعب حقيقة بل ينتخبه كيان يسمى المجمع الانتخابي يتكون من شخصيات تختارها النُّخب على عينها. وتذكر الوثائق الرسمية الأمريكية أن الولايات المتحدة، أخذت تلك الصفة رسميا عام 1871 بصدور القانون رقم 28/ 3002 الذي أضفى صفة الشركة على العاصمة المسماة «ضاحية كولومبيا»، وهي بالإضافة إلى «مدينة لندن الصغرى» (تقع داخل لندن العاصمة) و»الفاتيكان»، شركات تدير الولايات المتحدة والعالم كله أو أغلبه، بحسب شينالي وادوج، التي تشير إلى أن عائلة روتشيلد هي الحاكم الفعلي وراء هذه الكيانات. وهنا نتساءل، هل نقاطع أمريكا (أُم الشركات)؟، التي تتسبب لنا في كل ذلك من خلال أنظمة حكم عالمية وإقليمية تتفرع عنها، تهين ديننا كل يوم وتحاربه بلا هوادة لسلخنا عن تراثنا وهويتنا. وفي ضوء ذلك كله نتساءل مجددا: من نقاطع؟،،، واقتصاد العالم كله تقريبا محكوم بعدد من الشركات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة بحسب أحد التقديرات ويقدر بالعشرات بحسب تقديرات أخرى. وفي الحالتين فكل هذه الشركات تعود ملكيتها إلى عدد من العائلات، يحدده بـ 13 عائلة، فريتز سبرينجماير، وهو أول من بحث في أسرار تلك العائلات. إذن فمن نقاطع، وتلك الشركات قد احتكرت كل شيء تقريبا وتحكمت في كل التعاملات التجارية من الشرق إلى الغرب. قبل نحو سنتين جاءتني فاتورة الغاز المستخدم في التدفئة بزيادة 100 دولار عن الشهر السابق. اتصلت بخدمة العملاء في الشركة الموزعة. جاءني صوت موظفة خدمة المشتركين على الطرف الآخر، هي: صباح الخير كيف يمكنني مساعدتك، أنا: أريد أن أعرف سبب الزيادة الكبيرة التي طرأت على فاتورتي وتعادل 30 بالمائة دفعة واحدة بين ديسمبر ويناير. هي: ألا تعلم أن هناك زيادة سنوية على الفواتير... أنا بغضب مكتوم: لمااااذا... هل هذا مكتوب في الإنجيل (كتابهم المقدس المفترض)؟ هي: لا أظن، ولكن هذا هو واقع الحال. أنا مستنكرا.. وهل هناك شركة توزيع بديلة؟ هي: لا... أنا.. إذن هذا هو الاحتكار بعينه وهذا ضد الديمقراطية، والمفترض أننا في بلد ديمقراطي (كندا)... الآن أتذكر هذه المحادثة وأدرك أنه بالتأكيد ليس في الإنجيل، ولا في أي كتاب سماوي، شيء يفرض هذا الاحتكار البغيض، ولكنه في كتاب آخر مقدس لدى الشركات هو كتاب الشيطان الذي يعبدونه من دون الله، والذي يبيح لهم إفقار البشر واستعبادهم عن طريق الاحتكار اللامحدود لأغلب التعاملات والخدمات. ويبدو أنه كما كُتب على غزة أن تحارب الأكثرية الكاثرة من جيوش وأنظمة العالم، فإنه كُتب علينا أن نقاطع معظم الدول والمؤسسات والشركات الكبرى التي تنطلق من تلك الدول، التي يجب تغيير صفاتها الاعتبارية من دول إلى شركات. بل يجب رسميا إعلان موت الدولة القومية التي تأسست بمعاهدة ويستفاليا 1648 كما أشرت سابقا، وإعلان قيام «الشركة الدولة». ولعل أحدا لم يبدع في شرح تغول حكم الشركات للعالم مثلما فعل ديفيد كورتِن، صاحب كتاب «عندما تحكم الشركات العالم»، وهو أبرز من كتب في هذا الموضوع، إذ تساءل في محاضرة أمام مؤتمر لخبراء اقتصاديين في سان دييجو عام 1998 «هل تحكم الشركات العالم؟ وهل هذا يهم؟ ورد بالإيجاب قائلا إن النظام القائم في العالم الآن يجعل السلطة (الحكومات) خاضعة لرأس المال وليس للبشر (الشعوب) وبالنتيجة فتلك الشركات تدمر البشر من أجل المال. وأخيرا، نجيب عن سؤال هل نقاطع ومن نقاطع،، نعم مهم بل وحتمي أن نقاطع كل من عادانا وعادى ديننا، لكن قبل ذلك،،، يجب أن نقاطع ضعفنا وقلة إيماننا وقلة صبرنا، يجب أن نقاطع عجزنا وفشلنا وهواننا، يجب أن نقاطع الظلم والقهر والذل، يجب أن نقاطع قلة إقبالنا على خالقنا واتكالنا على المخلوقين، ويجب أن ننتبه إلى أن نبوءة رسولنا الكريمﷺ قد تحققت: فقد تداعت علينا الأمم. فماذا نحن فاعلون؟