28 أكتوبر 2025

تسجيل

مصر تفك ضفائر الوجع

21 فبراير 2011

مصر تفك ضفائر الوجع، تلملم جراحاتها، تغادر أيامها الحبلى بالمرارات، تقيم في منطقة السكون بعد الخامس والعشرين من يناير، تهدهد عصافيرها التي غادرت أعشاشها، تنبت بحقولها الزنابق، تحتضن فلذات كبدها المحملين بالثورة والحلم. أعيش أنا وغيري من ملايين سكان المحروسة أياما استثنائية من البهجة التي تلاشت ملامحها في الزمن القديم من النيل والوديان والسهول والصحارى والجسور والمطارات والبلاد والقرى وغابت طويلا عن الوجوه، سافرت عن قسمات الصبايا التي باتت مطرزة بالعويل على الراحلين والغائبين والصامتين والقابعين في الزنزانات والمجهدة أرواحهم من حالة استلاب فرضت عليهم عنوة وقسرا بفعل سيف السلطان وأحيانا ذهب الزبانية كاد جيلنا أن يفقد القدرة على الحلم داهمته الخطوب وسنوات الصمت قهرته العيون الحمراء التي تكسو ملامح من قست قلوبهم واجتاحتهم حمى تضخم الذات وعنفوان الضغينة وكراهية الشعراء والحالمين بزمن مغاير. ثمة فينا من ارتكب خطيئة الصمت والدوران في محيط السلطان دون أن ينتبه إلى أن البركان قادم وأن الزهو العبثي بالسلطة والثروة يوشك على الرحيل والزوال، أوغلنا في مراتب الغياب لم نقرأ أبدا في كتاب الحضور رغم أنه كان قرب أنفاسنا وتزكم رائحته أنوفنا التي سدها الغبار فلم تشأ أن تنشق عطر الزمن الآتي، استسلمنا لنفر من الزمارين والمطبلين، صدقنا أيقوناتهم المترعة بالعبث واللاشيء فقدنا توازننا ارتبكت مواسم المطر فينا لم تعد تدرك أين تصب رحيقها فتلاشت الشموس تمدد اليابس فوق الأخضر، أضحى الأفق مستقرا للبوم والغربان والذئاب والكلاب المسعورة، مزق الشعراء قصائدهم لم تعد المحروسة ملهمة للأرواح بعد أن التهمها عسس السلطان وقبضوا على عافيتها فباتت رهينة لابتساماتهم الباهتة وكلامهم الأجوف وحناجرهم الصاخبة وأيديهم الممتدة إلى كل ركن فيها نهبا واختلاسا ومحوا للذاكرة وسرقة لبهائها المقيم فيها أبدا. أما الآن فالمحروسة تدخل سفر التكوين تنهض من كبوتها تكتب عناوينها الجديدة: حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية تترقبها بعد الخامس والعشرين من يناير على أيدي شعبها وجيشها اللذين تكاتفا معا لتبدأ كتابة زمن عزها في دفتر التدوين الأبدي. آه أيا محروسة عامرة بلادك بالحنطة والزهور والرجال، ليلك سيضاء بشموس الثورة ونهارك سيبقى رهينة لفتيان كتبوا مواسمها لتظل فيك تعانق أنحاءك وتمنحك بركة التمدد في الزمان والمكان فلك أهدى قصيدتي: من ورد الثورة: تأخرنا عليك يا أمي (1) درويشا في الميدان أقرأ من ورد الثورة أنزع عني عباءة صمت أوراق السلطان مسكونا بالعطر القادم من فجر الشهداء يروي بالثلج صدور الفتيان يهب الحكمة للنيل والنور لنوارس بحر بلا شطآن في نهج الميدان راحت أمي تغسل زمن الأحزان تصب رحيق حنو على الولدان تغزل طرحات بيض لصبايا يتوردن كما اللؤلؤ والمرجان تهتك عرض العتمة تبث النور في وجه الطغيان فتسري الشمس في الأفق العابس ترسل رائحة الخبز بين الوديان يطلع قمر وشجر وقرنفل وبساتين أقحوان أمي تعزف موسيقى الثورة تتلو سور القرآن يشرق من حدائقها بهاء وصلاة وإيمان (2) تأخرنا عليك يا أمي هدهدت فينا براءتنا القديمة صليت من أجل قيامتنا المتوقفة لم نركع معك أو نؤدي السجود قامرنا بأوراق السلطان سألناه العفو عنك والبعاد سألناه الرحيل قال إنه مقيم للأبد راحل فيك فدمعت عيوننا عليك لم نقرأ الكتاب أو أشعار لوركا حاصرنا العسس والبصاصون فتيمنا شطر الصمت رحنا ننزوي بعيدا بعيدا بكينا ارتوينا من ضفاف الجوع (3) في الخامس والعشرين صرخت أمي في وجه البكائين والمنزوين والقانعين والراقدين والمهمومين والخانعين طلبت منهم الصلاة في الميدان والثورة على السجان