12 سبتمبر 2025

تسجيل

يا شعوب العالم اتحدوا

20 ديسمبر 2023

الذين لديهم القدرة على رؤية العاصفة أو الكارثة قبل قدومها أقلية نادرة بين البشر. والكارثة التي لا يراها معظم البشر قادمة الآن هي كارثة نموذجُها جريمة الإبادة الجماعية في غزة. لكن أكثر الناس لا يريدون أن يتقبلوا، نفسيا، ذلك السيناريو. بالطريقة نفسها، وبالسياسة ذاتها، وبالأوصاف عينها، التي أُطلقت على شعب غزة المظلوم سيتم التعامل مع الجميع مستقبلا، ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن في كل مكان يستطيع الطغيان العالمي الوصول إليه. وسيكون القادم أسوأ من أفلام هوليود التي يصورون فيها البشر على أنهم هوام يتم رشهم بالمبيدات أو استئصالهم بالأسلحة الفتاكة استئصالا جماعيا، كما لو كانوا ذبابا أو حشرات. وهي بروفات للتنفيذ على نطاقات أوسع عندما تحين لهم الفرص. وما الأسلحة الفوسفورية الحارقة التي يستخدمونها في غزة إلا مثال بسيط. وإن ما تتعرض له غزة ودول العالم الثالث ظلمٌ يُراد تعميمه على الجميع ولكنها مسألة وقت. ولعل هوليود (نافذة المستقبل) تحضِّر فعليا لخراب كبير قادم يبدأ من الولايات المتحدة بفيلم بعنوان "حرب أهلية" سيعرض قريبا، ويتضمن دمارا كبيرا هناك. وإذا كان هذا يخطط لأمريكا فما بالكم ببقية العالم. فالنظام الرأسمالي ماضٍ بخطى تبدو وئيدة لكنها متواصلة نحو إخضاع الجميع بمن في ذلك شعوب الغرب. وقد حذر باحثون وخبراء سياسة غربيون، منهم خبير العلوم السياسية الأمريكي جيمس ليندسي، في مناسبات عدة من أن ما يسمى "نيوليبراليزم" أو الليبرالية الجديدة، التي تُسوَّق بوصفها "يوتوبيا سياسية" ما هي إلا عملية استغفال للشعوب، غربا وشرقا، لتطبيق الفكر الشيوعي، الذي يحرم الفرد من مكتسبات جهده لمصلحة "المجتمع" المقصود به الشركات الكبرى. كما حذر كريس هيدجز في كتابه "الفاشيون الأمريكيون، أيام الدمار وأيام الثورة" من الشيء نفسه، وقال إن النيوليبرالية قتلت الديمقراطية وإنه حان الوقت للثورة. مع التأكيد على أن النيوليبرالية تلك في أدق تعريفاتها هي حكم الشركات الكبرى. أيضا، والدِن بيللو في كتابه "أمريكا دولة عالم ثالث" وآلان تونليسون في دراسته "... كيف نمنع تحول أمريكا إلى دولة عالم ثالث"، كانا ضمن خبراء حذروا في أواخر التسعينات من أن النخب (الشركات الكبرى) في أمريكا وبريطانيا، ستُحول الغرب إلى مجتمع عالم ثالث يسوده الفقر والظلم والجوع والمرض والجريمة. وسيكون من نتائج ذلك، زيادة استبداد السلطة الحاكمة، (الشركات الكبرى)، التي حولت كل شيء تقريبا إلى ملكيتها الخاصة تحت خدعة "الخصخصة" بما في ذلك السجون وقوات الشرطة بشكل جزئي. كما تنبأوا بتلاشي الحريات المدنية وتزايد القمع واتساع الفوارق الاجتماعية وغياب محاسبة المسؤولين. وهذه الأيام تمتليء الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية بالحديث عن أن المجتمع الأمريكي تحول بالفعل إلى مجتمع عالم ثالث. لقد أصبحت الشركات الكبرى والتي يتخفى وراءها الصهاينة ومن معهم، الحاكم الفعلي في معظم المجتمعات الغربية وغير الغربية، وباتت القوة التي لا تضاهيها قوة في أي دولة؛ يضعون في السلطة من يشاؤون ويعزلون من يشاؤون، وهو ما يخلق، وبعيدا عن نظرية المؤامرة، سلطة حاكمة عابرة للقارات، فوق مستوى كل الدول، لا يهمها بأي قدر رفاهية ولا مصالح الشعوب. وهذا بدوره يخلق "قوة طغيان عالمية" ليس لها عنوان ولا يمكن محاسبتها. وهذا بدوره يعيد العبودية القديمة بأشكال حديثة؛ طبقة النبلاء عادت في صورة الأثرياء الجدد الممثلين في الشركات الكبرى. وعبيد الأمس صاروا هم معظم الشعوب بما في ذلك الشعوب الغربية. الكادحون من أجل لقمة العيش قديما هم أنفسهم الكادحون لتأمين لقمة العيش اليوم. ولا يكادون يوفرون ما يكفي لدفع فواتير الخدمات التي تقدمها شركات "الأثرياء الجدد" الاحتكارية. نظرية آدم سميث القديمة ما زالت تتحقق اليوم؛ أكبر ربح يمكن أن يحققه الإقطاعي هو بتقليل أجور العمال قدر الإمكان وتعظيم سعر المنتج. وهاهم يقدمون للناس أقل الأجور ويرفعون الأسعار بشكل شبه يومي، بينما تستمر ثرواتهم بالتضاعف بلا توقف. قديما كان الملوك فوق النبلاء والإقطاعيين ولكن بعد تأسيس النظام الرأسمالي تغير نظام الطبقات العالمي. ومع تلاشي الطبقة الوسطى صار الإقطاعيون أو"النبلاء الجدد" ومعظمهم من الصهاينة أصحاب البنوك والمال والأعمال فوق الملوك والنبلاء القدامى، وهو ما لخصه كارل ماركس في "المنفيستو" الشهير بأن الملوك والنبلاء ورؤساء الحكومات ماهم إلا أقنعة يتخفى وراءها رأس المال حتى تتم له السيطرة الكاملة على العالم. لقد تغولت قوى الرأسمالية العالمية لدرجة أنها باتت تُطبِق في معظم الدول، بما فيها الغرب، ما يشبه الأحكام العرفية، من عسكرة الشرطة وتحويلها إلى شبه مليشيات تابعة لها مباشرة وليس للحكومات المفترض أنها منتخبة "ديمقراطيا"، إلى قمع الحريات وفرض الرقابة الواضحة والخفية على وسائل الإعلام، إلى كبح حرية التعبير وتقويض حق التظاهر. هذه الإجراءات القمعية هي محاولة بل سياسة متعمدة لاستباق أي حركة احتجاج شعبي كبرى في الدول الغربية على غرار ما يحدث في العالم الثالث والتي يرى خبراء ومراقبون، مثل هيدجز، أنها قادمة لا محالة، مع تحول دول الغرب إلى دول عالم ثالث. وما مظاهرات التضامن مع غزة إلا مقدمة لها. وأحسب أن الكثير في الغرب قد فهموا الرسالة وبدأوا بالتحرك، وكأن لسان حالهم يقول"يا شعوب العالم اتحدوا". [email protected]