15 سبتمبر 2025
تسجيلأعتقد أنه للمرة الأولى في تاريخ العرب الحديث اجتمع العرب أمة واحدة ذات رسالة خالدة – كما كان يقول زعيم البعث في الستينيات ميشال عفلق – أمة متضامنة متحابة في الله وفي الرياضة، حيث أنجزت سلطات قطر أروع تظاهرة رياضية بل حضارية بمناسبة كأس العرب! هل لاحظتم كمال التنظيم اللوجستي والإحاطة الأمنية الذكية والاحتراز في حفظ الصحة في زمن الكورونا؟ وهل لاحظتم روعة المشهد الافتتاحي مما جعل صحيفة (لوسبور) الفرنسية تكتب في عنوانها الرئيسي: «بروفة مثالية دون أخطاء لما ستكون عليه كأس العالم في نوفمبر 2022 فخامة الملاعب وقدرتها الاحتوائية وسيولة دخول الجماهير لها وخروجها منها تؤكد جميعا للعالم أن كأس العالم 2022 سيكون الأنجح في تاريخ كرة القدم على مدى عقود..» الذي وقع بلا شك في كأس العرب هو توفيق من الله ثم من قيادة الدولة في تنظيم دورة 2021 للبطولة القومية العربية دون تصادمات من نوع ما وقع في نفس المناسبات السابقة في دول أخرى ويتذكرها الرياضيون بلغت حد الاعتداءات البدنية والمقاطعات الدبلوماسية كشأن العرب دائما مع الأسف حين يتصرفون بالأمزجة ويتركون العقل! ولكن هذه المرة وبالروح التي فرضتها الدوحة بلطف وبمرونة رأينا اللاعب الجزائري ينحني ليساعد اللاعب المغربي على الوقوف مع الاعتذار، ورأينا اللاعب القطري يفوز على الإماراتي لكنه يرفع العلم الإماراتي للتعبير عن الأخوة والروح الرياضية والترفع عن كل الخلافات! ورأينا الجمهور المصري يقف عند عزف النشيد الوطني التونسي والعكس صحيح، وكما قال الروائي الجزائري واسيني الأعرج حين أشاد بالروح الرياضية وقيم التآخي التي سادت في مباراة المنتخبيْن الوطني المغربي والجزائري برسم ربع نهائي مسابقة كأس العرب «فيفا قطر 2021» حيث قال الأديب الجزائري في تدوينة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: بعنوان درس في وقته: «شكرا للمغرب وشكرا للجزائر. على مدى 120 دقيقة مباراة كرة قدم عالية المستوى أعطيتمونا درسا في الحب والاحترام والاحترافية ودرسا في ثقافة التآخي والشجاعة». وأضاف: «أحسن من ساسة غير قادرين على إعطاء الأولوية لمصالح شعوبهم التي تنتظر منهم الكثير المنتصر الكبير الأخوة المغاربية ولا شيء غير ذلك». ولم يبالغ زميلنا من وكالة (بلومبيرغ) الصحفي الرياضي (باسكال مونتيه) حين كتب يقول «بأن الفائز الأول بكأس العرب هي دولة قطر التي نظمت وأسست وأحاطت بالرعاية ووفرت وسائل النجاح للكأس فقطر أعتبرها مخلصا هي صاحبة التتويج وخاصة بروحها الرياضية وسلوكها الحضاري». كما أن المعلق الرياضي في قناة الكأس قال بكل صدق: «كل الفرق الفائزة من الأول الجزائري إلى التونسي إلى القطري فالمصري أهدوا فوزهم إلى حضرة صاحب السمو أمير قطر الشيخ تميم، حفظه الله ورعاه، وكانت مباراة النهائي يوم السبت موافقة لليوم الوطني القطري والمسير العسكري المهيب الذي شرفه حضرة صاحب السمو وصاحب السمو الأمير الوالد، في جو وطني هتفت فيه حناجر المواطنين والمقيمين بصوت واحد: «عاشت قطر ويحيا الأمير». إن مثالية ورمزية الكأس العربية 2021 تؤكد للعالم أن هذه الدولة الناهضة والمتمسكة بالحقوق والقانون الدولي والمؤمنة بسياسة السلام للجميع والأمن للجميع لهي دولة قوية صامدة تسعى لخير شعبها وخير جيرانها وخير العالم بأسره وهي التي تفوقت في التعليم بخيارات إنسانية كونية ونجحت في حفظ الصحة بتوفير إمكانات العلاج والوقاية والاحتراز، كما تفوقت في البنية التحتية حيث شهد أحد زوارها هذه الأيام بأنك تستطيع بواسطة المترو أن تنتقل من ملعب 974 في رأس أبو عبود إلى ملعب الخور ثم منه إلى ملعب المدينة التعليمية في دقائق معدودات ودون زحام وفي أمن كامل ورفاهة المترو! إنها قطر التي حضر جميع مبارياتها رئيس الفيفا بنفسه وشارك في تتويج الفائزين إلى جانب حضرة صاحب السمو. كان يوم السبت 18 ديسمبر يوما تاريخيا في مسيرة قطر المجد والحضارة والسلام في اليوم الوطني ويوم النهائي. مشاهد عربية ستبقى شاهدة على روح التضامن العربي والأخوة بين العرب حينما يتعانق اللاعب المغربي واللاعب الجزائري وحينما ينحني التونسي ليساعد المصري على الوقوف بعد وقوعه على أرضية الملعب وحينما يرفع الجمهور القطري الشاب ببناته وأبنائه رايات الدول العربية الثلاثة والعشرين المتسابقة في الكأس. مشاهد منعشة تذكرك أيها القارئ الكريم بأن روح الوحدة العربية حية كالنار تحت الرماد وأن الاختلافات الطائفية والدينية والسياسية زائلة بإذن الله ما دامت هذه الروح السامية الصادقة تحرك جماهير الشعوب العربية. [email protected]