16 سبتمبر 2025

تسجيل

رائحة الــقهـوة

20 ديسمبر 2020

منذ يومين كنت آخر الركاب الذين يصعدون إلى الطائرة وكان الكرسي المخصص لي تفوح منه رائحة الطيب وعبق الماضي، وسرعان ما انتبهت إلى السيدة المجاورة لي التي كانت مصدر تلك الرائحة، سلمت عليها وعرفتها بنفسي وأبديت استعدادي إن كانت تحتاج إلى مساعدة خلال الرحلة، شعرت بابتسامتها من خلال عينيها التي استطالت عرضاً من وراء البرقع وهي تشكرني وتدعو لي. ما أن استقرت الطائرة في الجو، حتى أتى شاب من الخلف وقبل يدها ورأسها واطمأن على وضعها، بادرته بالسؤال إن كان يريد أن يستبدل مقعدي بمقعده فأبى وقال هي أمي وأنا جالس بالدرجة السياحية لأن إمكاناتي لا تسمح. ولم يلبث قليلا إلا أن جاء بحاوية قهوة سقى منها أمه وأنا وكل ركاب درجة رجال الأعمال. السعادة التي بانت من عيني هذه الأم كانت أكبر من أن تترجمها كلمات فعرفت أن هذه القهوة بالمسمار والمعاميل هي عشقها الأبدي، استمر على هذه الحال كل عشر دقائق، يأتي ثم يقبل يدها ورأسها ويقدم لها القهوة ذات الرائحة المميزة حتى أصبحت رائحة الطائرة مشبعة برائحة القهوة. الإنسان في رحلة الحياة الطويلة يلتقي مع الآخرين ويتفاعل معهم مثلما التقيت برجل الأعمال الفاضل فرج بن عجلان المري قبل أسبوعين في مزرعته التي قضينا فيها يوما طويلا ممتعا بين مسامرة الأصدقاء والأخوة وبين متابعة مباراة كرة القدم وبين التجول في أرجاء المزرعة ذات المسطحات الخضراء والاستمتاع بالمسح على أعناق الإبل وركوب الخيل والصلاة جماعة في وقتها وما زاد متعتي أكثر في ذلك اليوم الكرم المميز وابتسامة محمد وحمد وعلي وصالح أبناء الأخ فرج وتلك القهوة المميزة من دلة الرسلان. تذكر ويكيبيديا بأن تاريخ القهوة يعود إلى القرن العاشر وربما لوقت سابق حسب عدد من التقارير والأساطير المتعلقة بأول استخدام لها، ويُعتقد بأن إثيوبيا هي الموطن الأصلي للقهوة، وأقدم الأدلة المثبتة على شرب القهوة أو معرفة شجرة البن هي من القرن الخامس عشر في الأديرة الصوفية في اليمن، وبحلول القرن السادس عشر وصلت إلى بقية الشرق الأوسط وجنوب الهند وبلاد فارس وتركيا والقرن الأفريقي وشمال أفريقيا. ثم انتشرت القهوة إلى البلقان، وإيطاليا وبقية أوروبا إلى جنوب شرق آسيا ثم إلى أمريكا أخيرا التي تمتلك أشهر براند عالمي حاليا وهي ستاربكس. معشي القطار هو لقب لذلك الشيخ التميمي الذي أولم لجميع ركاب القطار حين تعطل جنب بيته وكان يفوق عددهم الخمسمائة من المسافرين في العراق فكان ذاك العطل سبباً في سعادة هذا الشيخ السخي كي يكرم هؤلاء المسافرين المنقطعين بالغداء ويسقيهم القهوة. كما أن في قسم العلوم النفسية بكلية التربية بجامعة قطر أساتذة فضلاء يجمع بينهم روح الأسرة الواحدة والعلم ورائحة القهوة. احتفالات دولة قطر في اليوم الوطني تتميز كل عام عن الأعوام السابقة بكل شيء حتى في اختيار الشعار الذي يعتبر قيمة من قيم هذا المجتمع العظيم. وما أبداها الأطفال والشباب والشيبان في هذه الأيام من فرحة وبهجة ما هو إلا شعور طبيعي عززته الثقافة الأصيلة وروح الانتماء. وبالرغم من انتشار المقاهي المختلفة الحديثة في الدولة وما برزت معها من خلطات وتركيبات واجتهادات في فنون طهي وتقديم القهوة إلا أن الأصالة كل الأصالة في الدلة الصفراء والتي تغنى بها راكان الحثلين قائلا: يا ما حلا الفنجال مع سيحة البال في مجلس ما فيه نفس ثقيلة، هذا ولد عم، وهذا ولد خال، وهذا رفيق ما لقينا مثيله. آخر المطاف: واعمل تفكيرك في طريقة عمل تلك القهوة، وقدر الجهود التي بذلت من أجل وصولها إليك بهذه الطريقة وهذا الوقت، واستمتع بقهوة الصباح بالتفكير بكل الأمور الإيجابية، فالثقة بالله وحسن التوكل عليه مفتاح النجاح والسعادة لطيلة اليوم واحرص على تقبيل الشيبان باستمرار كما فعل صاحبنا في الطائرة. همسة: وعودك للآخرين قد تعني لهم أكثر مما تتصور، فلا تخلف وعداً فأنت لا تدري ما تهدم بذلك. دمتم بود. [email protected]