16 سبتمبر 2025
تسجيلتعيش جماعة الإخوان المسلمين المصرية أزمة داخلية كبيرة أفقيا وعموديا، قسمتها إلى فسطاطين، السلمية المطلقة، والثورية، تعمقها خلافات بين القيادات التاريخية وجيل الشباب على المرجعيات وطرق الإدارة والانعتاق من المنطق الابوي الى العمل السياسي والثوري، البعيد عن الطاعة المطلقة، وهو ما يواجه رفضا من قبل ما تبقى من القيادة التاريخية خارج السجون والمعتقلات. هذه الأزمة التي تعصف بالإخوان المسلمين هي الاضخم في تاريخ الجماعة منذ تأسيسها على يد الشيخ حسن البنا عام 1928، فقد اخترقت الجدار السميك لتماسكها، وفرقت الصفوف، مما أدى الى انقسام الجماعة الى فئتين، كل فئة لها رجالها ومنطقها وحججها، الفئة الاولى وهي القيادة التاريخية والثانية متمثلة بالقيادات الشابة المنتخبة، التي تتهم "التاريخيين" بعدم تقديم أي رؤية واضحة لإنهاء الانقلاب واستعادة الشرعية، وتزعم أنها تمتلك رؤية واستراتيجية لإسقاط الانقلاب، دون أن تبين ما هي هذه الرؤية والاستراتيجية، وتتنازع هاتان الفئتان السلطة والإدارة والمرجعية.المشكلة بدأت في أعقاب تعرض الجماعة لنكبة انقلاب تموز — يوليو 2013 واعتقال معظم قادتها، حيث تم انتخاب لجنة عليا لقيادة الجماعة اوكلت اليها مهمة أعداد لائحة جديدة للجماعة ينتخب على أساسها مجلس شورى ومكتب إرشاد جديد. وهي انتخابات لم تعترف بها القيادة التاريخية. ما أدى الى اصدار كل فئة من الفئتين قرارات ضد الأخرى، من إيقاف وتجميد وسحب صلاحيات، وتراشق عبر وسائل الاعلام حتى تحولت إلى قضية رأي عام في مصر والعالم العربي، واتسع الخرق وانقسمت المكاتب الإدارية حيث اعلن 11 مكتبا للإخوان في مصر تأييدهم للقيادة المنتخبة الشابة ضد القيادة التاريخية.من الواضح أن الأزمة داخل جماعة الاخوان المسلمين عميقة ومتشعبة لكنها انفجرت في الوقت الخطأ، فالجماعة تتعرض داخل مصر وخارجها لهجمة شرسة، أشد وأنكى من الهجمة التي تعرضت لها في عهد جمال عبد الناصر، فغالبية قادتها يقبعون في سجون الانقلابيين، فضلا عن قتل واغتيال عدد من القيادات والاعضاء برصاص الاجهزة القمعية التابعة لنظام السيسي الانقلابي. علاوة عن تعرضها إلى هجمة شرسة في أنحاء متعددة من العالم العربي، بل وصلت الى بريطانيا حيث اعتبرت الحكومة البريطانية جماعة الإخوان المسلمين "بوابة للتطرف"، فهي تتعرض لمحاولة تصفية كبيرة لم تعرف لها الجماعة مثيلا منذ تأسيسها.صحيح أن جمال عبد الناصر شن حربا شعواء على جماعة الإخوان المسلمين، لكنها كانت حربا "محلية" بين النظام الحاكم في مصر والجماعة، وكان قادتها يجدون مأوى وسندا من بعض الدول العربية، لكن الجماعة تتعرض حاليا الى حرب "محلية — إقليمية — دولية" ويكاد قادة الحركة واعضاؤها لا يجدون مأوى باستثناء تركيا وماليزيا وقطر، وتحولوا الى مهجرين ومطاردين وعناصر غير مرغوب بهم في غالبية الدول العربية تقريبا، بل إن دولة عربية تصرف مليارات الدولارات من اجل استئصال الجماعة من جذورها، مما يزيد من أزمة الجماعة ويدمي جراحها الدامية اصلا.ما يجري داخل الإخوان المسلمين له ما بعده، فالعالم العربي يعيش مرحلة قلقة ومضطربة أدت إلى تلاشي أنظمة عربية واختفائها، وليس هناك ما يمنع من تلاشي الإخوان المسلمين ايضا، في ظل هذا الانتحار الذاتي الذي تمارسه قياداتها في الداخل والخارج.