12 سبتمبر 2025

تسجيل

مفارقات إنتاجية بيننا والألمان

20 ديسمبر 2014

التطور الاقتصادي والتنموي لا يأتي دون أفكار وثقافة إنتاجية ترسخ في العقول والوجدان، وتصبح جزءا من النسيج الذاتي والاجتماعي، ذلك حدث لكثير من الشعوب التي سقطت سقوطا مدويا ثم نهضت وتطورت إلى أن أصبحت في عصرنا الحديث تقود اقتصاد العالم، وذلك يجعلني أشير إلى اليابان وكوريا، وألمانيا التي اشتهرت بكثير من الصناعات المتقدمة العملاقة رغم هزيمتها الساحقة في الحرب العالمية الثانية.وقد اشتهر الألمانيون بحبهم للعمل والتزامهم بواجباتهم الإنتاجية والوظيفية بصورة أصبحت مضرب المثل، وهي حالة لا تقل عن التزامات اليابانيين والكوريين، ولكن السؤال من واقع الحال في ألمانيا حاليا هو لماذا يعمل الألمان عدد ساعات أقل ولكن بمستوى إنتاجية أعلى؟بحسب دراسات فإن أول ذلك يعود إلى الالتزام بساعات العمل، وأصبح من ثوابت الثقافة الألمانية الإنتاجية أنه لا ينبغي على الموظف أثناء ساعات العمل القيام بأي شيء سوى العمل، ويعتبر التظاهر بالانشغال في العمل عند مرور المدير أو رئيس العمل بجوار الموظف سلوكا غير مقبول اجتماعيا.السبب الثاني لتفوق الألمان إنتاجيا هو التركيز على الأهداف والاتصال المباشر، فهم يتسمون بالتركيز الشديد على الأهداف والاهتمام بالاتصال المباشر، وإلى جانب ذلك يمكنهم التحدث بعبارات بصيغة الأمر ومباشرة، وذلك بعكس الأمريكان الذين يهتمون باستخدام عبارات مهذبة ويحافظون على الأجواء المتفائلة وغيرها.وثالث الأسباب هو الاستمتاع بالحياة الخاصة، حيث يستطيع الألمان بصفة عامة الفصل بين الحياة الخاصة والعمل، ولأنه يتم التركيز أثناء ساعات العمل على الكفاءة الإنتاجية، توفر لهم الحكومة الكثير من الأنشطة العامة والاجتماعية التي تُمكنهم من الاستمتاع بحياتهم الخاصة.أما رابع الأسباب فهو القيم الإيجابية في ثقافة العمل، إذ تنطوي بيئة العمل في ألمانيا على الكثير من القيم ومنها العمل الدءوب والذي يؤدي إلى فصل وقت العمل عن الترفيه مما يمكن من الاستمتاع بحياة أكثر توازنا، إضافة إلى الابتعاد عن استخدام الهاتف والانفصال التام عن حياة العمل أثناء وقت الراحة يساعد الشخص على الاسترخاء وتجديد النشاط.وحين ننظر إلى تلك الأسباب بموضوعية يمكن إدراك أسباب تواضع أدائنا الإنتاجي، حتى لو تم منح العاملين رواتب أعلى وساعات عمل أقل، ولذلك ليس مطلوبا أن ننقل التقنيات الصناعية والإنتاجية فقط، وإنما الثقافة الإنتاجية الالتزام بما نقوم به حتى نستطيع المنافسة، لأننا بواقعنا الحالي سنظل فقط ندهش لتطور هؤلاء، فيما نقف محلك سر.