13 سبتمبر 2025
تسجيلوعمري نحو 12 سنة، أعطتني أمي عشرة قروش لأدفعها في دفتر تبريكات ختان أحد «الأشراف»، وقد جرت العادة في السودان أن يدفع أقارب وأصدقاء كل طفل يخضع للختان مبلغا من المال، فقررت اختلاس المبلغ الضخم، وتوجهت الى مباني مدرستي الابتدائية لأختفي فيها إلى حين انتهاء مراسم الختان المبارك، وبينما أنا أتوسط الميدان المؤدي الى المدرسة، فوجئت بزفة ضخمة فيها المئات، وصدمني حصان مندفع، وفرمني مسببا لي كدمات بليغة، ودخلت في حالة هلوسة، وجاءت أمي تولول، ونزعوا عني ملابسي الممزقة ووجدت أمي القروش العشرة في جيبي، وولولت مجددا لأنها استنتجت أن غضب الأشراف لحق بي، لأنني «اختلست» ذلك المبلغ، وجاء كبير الأشراف الى بيتنا، ووجه بصقات سريعة: تف تف، نحوي وطمأن والدتي بأنهم «الأشراف» عفوا عني، وعشت بعدها سنين طويلة وأمي حزينة لأن الناس قالوا عني إنني «شيوعي» ومن يقرأ الصحف العربية، يخرج بانطباع بأن قوى شيطانية غاضبة جعلت من المنطقة «قيادة مركزية»، فلا يمر يوم دون حكاية او أكثر عن خادمة «سحرت» عائلة، أو عن شخص «طيب» وقع فريسة جني عنيد، وصارت آلاف العائلات تعيش في رعب مقيم من القدرات الخارقة للخادمات الآسيويات، واي شخابيط يتم اكتشافها بين أشيائها لابد وان تكون سحرا نافذ المفعول. وأحد القضاة في السعودية تقاضى رشوة ضخمة نظير تزوير سند ملكية أرض، ولما كمشوه قال إن الشيطان أوعز له بذلك، وعقدوا له جلسة وحضر «شيخ» استدعى ذلك الشيطان وحذره من تضليل القاضي مجددا. وعندنا في السودان تفشى وباء الغباء حتى صار لبعض المسؤولين الحكوميين كتيبة من الاستشاريين في فنون الحل والربط.. ثم تجد نفس المسؤول الكبير الذي يستعين بخبير في شؤون العالم السفلي ليضمن له البقاء في منصبه، أو لينتقل الى وزارة أكثر دسامة، تجده يؤم الموظفين في الصلوات! ودي تيجي إزاي؟ أنت تعتقد ان آدميا مثلك يتحكم في مجريات القضاء والقدر، ثم تقود المصلين أمام من بيده القضاء والقدر دون إحساس بالذنب على الأقل؟ اللجوء الى الدجالين هو سبيل العاجزين عديمي الثقة بالنفس، ومهما حوقلوا وبسملوا فهم ضعيفو الإيمان، لأن من يؤمن تماما بأن كل أموره بيد خالقه، لا يجعل بينه وبين الخالق سمسارا، ومن يسلم رقبته لدجال يصبح كمدمن القمار الذي يخسر المرة تلو الأخرى، ولكنه يعزي نفسه بأن ضربة الحظ الكبرى آتية، فيواصل المقامرة حتى ينتهي به الأمر مفلسا أخلاقيا وماديا. وهناك أناس يتفاخرون بأن لديهم «شيخ مبروك» خاص بهم يضعون كامل ثقتهم فيه لفك العنوسة أو الرهن او الدين أو ضمان نجاح العيال، ولا تنتبه الباحثة عن زوج عن طريق الشيخ المزعوم إلى أنها ظلت موعودة بالفرج طوال 15 سنة (مثلا) ويفوت على الغارق في الديون أن أوضاعه المالية على حافة الهاوية و«المبروك» المزعوم لا يزال يطالب بالرسوم على شكل هدايا له او كاش وحلي ذهبية للشياطين الذين ينفذون أوامره؛ والعيال الذين زودهم الشيخ بترياق النجاح على شكل طلاسم تحمل بصاقه ولعابه «المبارك»، يزدادون جهلا وأمية عاما تلو الآخر، لأنهم ينصرفون عن المذاكرة، لأن ذويهم أكدوا لهم ان الشيخ سيضمن لهم النجاح. في لبنان لجأت سيدة الى مشعوذ أفَّاق طبقت شهرته الآفاق ليمنع زوجها من الاقتران بأخرى.. وأعطاها الشيخ الوصفة تلو الأخرى، وجميعها طلعت فاشوش، إلى أن أتى صاح فيه الشيخ: فُرِجت؛ خذي هذه الخلطة وضعيها في مشروب وقدميه للزوج، «ولو تزوج فوقك آدي شنبي أحلقه بالملقاط»؛ وعملت الزوجة بالنصيحة وشرب الزوج عصيرا فيه الخلطة، ولم يعد بمقدوره ان يتزوج مرة أخرى، لأنه مات بعد شرب سم منزوع البركة. [email protected]