13 سبتمبر 2025
تسجيللفصل الخريف في بلادنا روعة لا تضاهى ، فنسمات الهواء العليلة التي تهب في هذا الفصل تنعش النفس وتطيب الوجدان، وتمنح أولى قطرات الغيث المنهمرة من السماء بهجة للروح مزيلة غبار الصيف فترتوي الأشجار وينتعش النبات، فصل الخريف الذي إرتبط بسقوط أوراق الشجر وإصفرارها في مناطق العالم الأخرى حتى اعتبر الخريف في الكثير من الثقافات مرادفاً للشيخوخة ونهاية الحياة ، يرتبط في تراثنا العربي بإعتدال الجو وإنكسار حدة الحر حتى قالت العرب عنه الخريف ربيع النفس كما أن فصل الربيع ربيع العين و أنه أصح فصول السنة زمانا، وأسهلها أوانا ، وقد أبدت الأرض به عن ثمرتها، وصرّحت عن زينتها وأطلقت السماء حوافل أنوائها، وتأذّنت بانسكاب مائها؛ وصارت الموارد كمتون المبارد صفاء من كدرها، وتهذّبا من عكرها واطّرادا مع نفحات الهواء وحركات الريح الشّجواء واكتست الماشية وبرها القشيب والطائر ريشه العجيب. وتقول الأسطورة العربية القديمة ان الخريف إفتخر على بقية الفصول قائلا: أنا سائق الغيوم وكاسر جيش الغموم وهازم أحزاب السموم وحادي نجائب السحائب وحاسر نقاب المناقب ، أنا أصد الصدى وأجود بالندى وأظهر كل معنى جلي وأسمو بالوسمي والولي ، في أيامي تقطف الثمار وتصفوا الأنهار من الأكدار ويترقرق دمع العيون ويتلون ورق الغصون طورا يحاكي البقم وتارة يشبه الأرقم وحينا يبدو حلته الذهبية فيجذب إلى خلته القلوب الأبية وفيها يكفى الناس هم الهوام ويتساوى في لذة الماء الخاص والعام وتقدم الأطيار مطربة بنشيشها رافلة في الملابس المجددة في ريشها وتعصر بنت العنقود بي تطيب الأوقات وتحصل اللذات وترق النسمات والشَّرفُ شجرٌ له صبغ أحمر، يقال له البقَّمُ والعندم وهو دم الأخوين.وقد تغنى الكثير من الشعراء بجمال الخريف فهذا البادي الأصفهاني يقول: ولا زلتَ في عيشةٍ كالخريفِ فإن الخريفَ جميعاً سَحَرْصفا الماءُ فيه وطابَ الهوى يحيلهما نسيمُ ريحٍ عَطِرْترى الزعفرانَ بأعطافــــــة يفوحُ الترابُ له المستعِرْواترجَّـــــــــهُ عاشقٌ مدنَفٌ إذا ما رجا طيبَ وصلٍ هُجرْوتفاحُــــــــــهُ فوق أغصانِه خدودٌ خــجلنَ لوحي النظرْوما كنتُ أحسبُ أن الخدودَ تكون ثمــــاراً لتلكَ الشجرْويقول الشاعر العباسي جحظة البرمكي ما بالُ أيلولَ يدعوني وأتبعه الى الصَّبوح كأني عبدُ أيلولِما ذاك إلاّ لأنّ العيشَ مقتبل والليلُ ملتحفٌ بالبرد والطولوقد بَدَتْ طَلَّةٌ شجواً تخبرنا عن الخريف بقصْفٍ غير مملولولاح وجهُ سهيلٍ فهو جوهرة حمراء قد ركبتْ في وسط إكليلكما يقول الشريف الطوسي حلَّ الخريفُ على الأَغصانِ وانتثرت أوراقُهُ غيرَ ما يبقى على الحِقَبِكانتْ غلائلها خُضْراً وقد صُبِغَتْ بصفرةٍ مثل لونِ الورس والذهبواستطردَ القيظُ إذ ولّت عساكره واستبردَ الظلُّ فاقدحْ جمرةَ العنبواغنمْ بها العيشَ في تشرينَ منتهزاً فالقيظُ في رحلةٍ والقرّ في الطلب وهذا الشاعر عبدان بن عبد الله الأصفهاني يصف الخريف ويفضله على الربيع بقوله راب الربيعُ عيونَ قومٍ أغفلوا ... طيبَ الخريفِ وسجسجَ الأَشجارِلما عن اغباش الشتا قد سرحوا ... أنسوا بنور الحرِّ والأنوارِفلها نثارٌ في الخريفِ يفوقها ... حُسناً على الجنّاتِ والأنهارتحكي دنانيراً لنا أوراقُها ... ولها فضيلةُ مطعمِ الأثماروخلا الربيعُ من النعيم فما لنا ... فيه سوى الأرواحِ والأمطارومخافة الهدّارِ إثرَ صواعق ... ترمي البلادَ وأهلَها بالنارفاسعدْ بتشرينين وانعمْ فيهما ... متعوذاً بالله من آذارواشرب على ورديهما مشمولةً ... من زعفران طالعٍ وبهاريغنيك عن وردِ الربيع، وعرفُهُ ... عن شمِّ عَرْفِ لطيمةِ العطَّار