15 سبتمبر 2025
تسجيليحتل موضوع الطاقة أولوية لمتخذي القرار حول العالم، إذ إن هذا الموضوع يتعدى كثيرا قضية توفير وقود لوسائل النقل والمصانع والتدفئة ليشمل قضايا إستراتيجية تتعلق بالسياسة والأمن والتنمية وتوفير الغذاء وكل ما يتعلق بالحاضر والمستقبل. من هنا يكتسي المؤتمر السنوي للطاقة والذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية في أبوظبي أهمية كبيرة، حيث تطرق مؤتمر هذا العام والذي عقد في بداية شهر نوفمبر الجاري إلى آخر مستجدات شؤون الطاقة من كافة الجوانب. وضمن التساؤلات المهمة التي طرحت، تأتي القضايا الخاصة بتراجع مخزونات "الوقود الأحفوري" والذي تعتمد عليه البلدان العربية، مما جعل أمن الطاقة أمرا مستحيلا من وجهة نظر مدير عام الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "أرينا"، والذي يرى ضرورة التفكير بتطوير نظم بديلة للطاقة، حيث أشار مستشار البنك الدولي في هذا الصدد إلى أن هناك أزمة نفط حادة تلوح في الأفق، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط لتتجاوز المستويات القياسية التي بلغتها في عام 2008 والتي وصل فيها برميل النفط إلى 147 دولارا. لذلك، فإن أمن الطاقة أصبح يشكل أولوية رئيسية بالنسبة لكافة بلدان العالم المعنية بتعزيز نمو اقتصادي صحي مع الحفاظ على الاستقرار والتنمية المستدامة. من هنا نرى بعض التداعيات لتوقعات هذه الأزمة، حيث تشهد أسواق الطاقة البديلة نموا سريعا، فبين عامي 2004 و2010 تضاعف الاستثمار في الطاقة المتجددة أربع مرات ليصل إلى أكثر من 271 مليار دولار، وذلك رغم الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون التي لم تؤثر في هذه الاستثمارات، مما يدل على أن العالم في سباق مع الزمن لإيجاد مصادر بديلة للطاقة. تأتي هذه التوجهات في ظل نقص الوقود الأحفوري، مقابل ارتفاع كبير في الطلب على مصادر الطاقة والناجم عن الزيادة السكانية وارتفاع معدلات التنمية، وبالأخص في البلدان الصاعدة، وكذلك التغيرات المناخية والتي تترافق مع النقص في عدالة التوزيع لهذه الموارد على المستوى العالمي. أما البدائل التي تطرق إليها المؤتمر والمتوفرة في الوقت الحاضر، فإنها محدودة ولكل منها خواصها ومخاطرها، فالطاقة النووية، كما أشار ممثل مؤسسة " تشاتهام هاوس " لها مخاطر وانعكاسات على البيئة، في الوقت الذي تتميز به الطاقة الشمسية النظيفة بمستويات أمان عالية، إلا أن تكلفة إنتاجها لا زلت عالية جدا، مقارنة بالمصادر الأخرى. وفيما يتعلق بالبلدان العربية والخليجية، فإنها ستواجه معضلات متزايدة في إدارة العرض والطلب لموارد الطاقة، خصوصا وإن الطلب المحلي سيشهد نموا كبيرا في العقدين القادمين، فالنفط بالنسبة للدول الخليجية لا يمثل مصدرا للطاقة والعوائد النقدية فحسب، وإنما يستخدم كأداة من أدوات التصنيع الوطنية التي لا تقل أهمية عن بناء المؤسسات نفسها، كما أشار إلى ذلك بصورة صحيحة " ستيفن هيرتوج" المحاضر في جامعة لندن. لذلك، فإن مجمل هذه التطورات تشكل تحديات حقيقية للبلدان المنتجة للنفط والتي لا يمكن مواجهتها دون تنسيق، سواء في مجال تسويق مصادر الطاقة الأحفورية أو تطوير مصادر الطاقة البديلة، مما حدا بمدير عام المركز الدكتور جمال سند السويدي في كلمته الختامية إلى التأكيد على أهمية إنشاء مجموعات من شركات الطاقة المتجددة بدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، على أن يستمر الدعم الحكومي لهذه المجموعات من خلال إصدار التشريعات اللازمة لتنظيمها وتطورها. وبالنتيجة، فإن كافة المؤشرات تدل على أن الصراع حول مصادر الطاقة بكافة أنواعها سوف يشتد في السنوات القليلة القادمة، وذلك لأسباب إستراتيجية وأمنية وتنموية، حيث سيتخذ هذا الصراع أشكالا متعددة، إذ حث تقرير صدر مؤخرا لمركز البحوث العسكرية الأمريكي "ميليتاري ادفايزاري بورد" الولايات المتحدة على تقليص استخدامها للنفط بنسبة 30% على مدى العقد المقبل كواجب في مجال الأمن القومي، واصفا اعتماد واشنطن على النفط المستورد بمثابة "نقطة الضعف في أمننا القومي" معتبرا أن إغلاق مضيق هرمز لمدة ستين يوما على سبيل المثال سيؤثر في الأسعار والوظائف في الولايات المتحدة. أما كوريا الجنوبية الدولة الصاعدة، فإنها تخطط لإنفاق أكثر من 9 مليارات دولار حتى عام 2019 لإنشاء مجمع لطاقة الرياح. إن تزامن مؤتمر الطاقة مع صدور التقرير الأمريكي يشير إلى مدى أهمية التطورات المتلاحقة والسريعة في الصراع على مصادر الطاقة في العالم، مما يتطلب التعاون والتنسيق بين البلدان والكتل الاقتصادية المتجانسة، كدول مجلس التعاون الخليجي وحسن الاختيار لتنمية مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة وإيجاد تناسب بين متطلبات التنمية المستدامة وتطوير مصادر الطاقة لتلبية الاحتياجات التنموية المتنامية.