21 سبتمبر 2025

تسجيل

القرصان أم القبطان.. أجدر؟

20 نوفمبر 2011

رواية "القرصان" لعبدالعزيز آل محمود، تقدم كاتبها روائياً ناضج التجربة، رغم كونها تجربته الأولى في الكتابة السردية، بعد أن عرف ككاتب له إسهاماته الإعلامية المعروفة، وأرجو ألا تكون هذه الرواية الأخيرة، لأنها أثبتت قدرته على الكتابة الروائية، رغم تخصصه العلمي في الهندسة الميكانيكية وهندسة الطيران، ورغم عمله الإعلامي في الصحافة، مما يثبت أن الإبداع لا علاقة له بالتخصص، وكثيرون من ذوي التخصصات العلمية أبدعوا في المجالات الأدبية شعرا ونثرا، ومنها الرواية. "القرصان" تتناول فترة من فترات التاريخ في الخليج العربي في القرن الثامن عشر الميلادي، وهي فترة حفلت بالاضطرابات والصراعات الحادة عندما أرادت الدول العظمي فرض سيطرتها على الخليج لضمان حرية الحركة التجارية مع الشرق، إضافة إلى أطماعها في الثروات الطبيعية التي اكتشفت في ما بعد، خاصة النفط، وهي منطقة - كما ورد في الرواية على لسان السير "أيفان نيفيان" الحاكم العام البريطاني - في بومبي في حديثة للكابتن "جورج فورستر سادلر": (إن هذه المنطقة حيوية بالنسبة إلينا، إنها شريان الحياة الذي يجب ألا نخسره). والشخصية المحورية في هذه الرواية هي من الرجال المعروفين في تاريخ الخليج، وتحديدا في مجال الملاحة، حين كانت سفن الغوض تمخر عباب مياه الخليج في مواسم صيد اللؤلؤ، جنبا إلى جنب مع السفن التجارية القادمة من أوروبا، أو تلك التي تحمل المنتجات الزراعية كالتمور وغيرها التي تنتجها الواحات المطلة على الخليج أو المستوردة من إفريقيا، في رحلاتها إلى الهند. وهذه الشخصية هي شخصية الملاح العربي الشهير رحمة بن جابر، الذي امتدت فروع عشيرته في بعض مدن الخليج حتى وقتنا الراهن، وهو من الذين صنعوا تاريخ المنطقة، وحاربوا بريطانيا العظمى ببطولة شهد لها التاريخ، حتى كادت أن تتحول إلى شخصية أسطورية نسجت حولها الكثير من القصص في المخيال الشعبي لدى أبناء الخليج، لكن هذه الشخصية البطولية تحولت في هذه الرواية إلى "قرصان" وهو مصطلح اقترن باللصوص وقطاع الطرق وزعماء العصابات البحرية، ولم يكن رحمة بن جابر بهذه الصفات التي برزت في الرواية، والتي أظهرته بتلك الصورة النمطية للقرصان، كما تبرزها أفلام هوليود، وبوليود وغيرها من عواصم صناعة السينما العالمية. ولعل القنصل البريطاني في ماديرا على الساحل الإفريقي، قد لامس هذه القضية عندما قال للقبطان لوخ المبحر من بليموث باتجاه الخليج في رحلة استعمارية محددة الهدف: (يجب أن تعرف أنك ذاهب إلى ديارهم، حيث يعيشون مع أطفالهم وعوائلهم، إلى حيث يجدون حياتهم، لتحاربهم، ومع ذلك تطلق عليهم أي مسمى تريده، قد تسميهم قراصنة أو مجرمين أو قطاع طرق، ولكنهم أيضا قد يسمونك ما يريدون، فمن الذي تراه على حق)؟ والجواب كما أراه: هم أصحاب الأرض الذين من حقهم الدفاع عن أنفسهم وعن أرضهم وممتلكاتهم. فكيف يكون صاحب هذا الموقف قرصانا. أليس الأجدر أن تحمل الرواية اسم "القبطان" بدل "القرصان"؟ من الصعب تلخيص أحداث هذه الرواية، والبداية لخصها القبطان لوخ عندما كتب في مذكراته: (أنا القبطان "فرانسيس أرسكن لوخ" قائد سفينة صاحب الجلالة "إيدن" قد أصدرت قراري للإبحار من ميناء بليموث يوم التاسع من يونيو 1818 الساعة الواحدة ظهرا) لكن هذه الأحداث تقوم على الصراعات الطاحنة في سبيل السلطة، سواء بين القبائل الحاكمة أو بينها وبين القوى الاستعمارية، وتتنقل مشاهد الرواية ما بين مدن في بريطانيا والخليج والهند وإفريقيا، حيث استطاع المؤلف جمع خيوطها بإحكام وبلغة جميلة وأحداث تستولي على اهتمام القارئ، كما استطاع توجيه هذه الأحداث في سياقها العام دون أن يلتزم بالتسلسل التاريخي لها، وهو التزام يعنى به المؤرخ وليس الروائي، ومع ذلك يمكن القول إن هذه الرواية من الروايات التاريخية القليلة التي اهتمت بتاريخ الخليج في فترة هي الأشد اضطرابا وصراعا وقلقا في تارخ الخليج العربي المعاصر. [email protected]