02 نوفمبر 2025
تسجيلهل بوسع القيادة الفلسطينية أن تحرز نجاحاً في مساعيها الرامية إلى استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة؟ لاشك أن الخطوة في حد ذاتها ضرورية. وذلك نتيجة لتعثر كل الجهود والمبادرات التي طرحت خلال الفترة التي تقترب من ربع قرن منذ بدء عملية السلام في مدريد في العام 1991 مرورا باتفاقية أوسلو في العام 1993 وصولا إلى العشرات من الاتفاقيات الجزئية وجولات التفاوض سواء المباشرة أو غير المباشرة وهو ما دفع الطرف الفلسطيني في البحث عن بديل لحالة الكمون التي باتت تقيم فيها عملية السلام. ومما رشح من معلومات فإن مشروع القرار الذي يحدد سقفا زمنيا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي نهاية العام 2016. ضمن حدود الرابع من يونيو من العام 1967 الفلسطينية. بما في ذلك القدس المحتلة، . بات في صياغته النهائية ومن المنتظر تقديمه عبر ممثل الأردن في مجلس الأمن نهاية أكتوبر إن لم تمارس ضغوط على القيادة الفلسطينية لتأجيله والتي بدأت بالفعل من قبل جون كيري وزير الخارجية الأمريكي خلال لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس – أبو مازن- الأسبوع المنصرم على هامش مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة مبررا ذلك بالانتظار ريثما ينتهي من بلورة تصورات لديه لتحريك الوضع . لكن الجانب الفلسطيني أبدى ممانعة لطلب كيري اقتناعا منه – وفقا لما كشف عنه الدكتور حنا عميرة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية- بأن التحركات الأمريكية في هذا الشأن تهدف بالأساس ليس إلى مجرد تأجيل عرض مشروع القرار على مجلس الأمن وإنما الحيلولة دونه بالكامل. فضلا عن أنه ليس ثمة حديث جاد بشأن مبادرات جديدة لواشنطن لاستئناف مفاوضات السلام معتبرا أن ذلك أمر غير دقيق بالمرة والواضح أن لجوء القيادة الفلسطينية إلى خيار طلب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي يأتي في إطار عملية مراجعة شاملة لمنهجية التفاوض خلال السنوات الماضية والتي لم تثمر مردودا حقيقيا على الأرض وكان آخر تجلياتها تلك المفاوضات التي أطلقها جون كيري نفسه خلال العام المنصرم واستمرت تسعة أشهر من فرط التعنت والغطرسة الإسرائيلية التي تماهت إلى حد ممارسة العدوان المباشر على قطاع غزة والذي استمر أكثر من خمسين يوما مستخدما أعتى أشكال القوة المفرطة والتي أفضت إلى تدمير يكاد يكون شاملا للبنية التحتية ومنازل الأهالي فضلا عن القتل الممنهج للبشر عبر مذابح بشعة. وفي ضوء هذه المعطيات تكرست قناعات جديدة لدى الطرف الفلسطيني مؤداها أن منهجية المفاوضات المباشرة برعاية أميركية" طريق انتهى"- والتعبير للدكتور عميرة نفسه – وأنه لم يعد مقبولا من المنظور الفلسيطيني إعادة إنتاج تجارب سابقة ثيت يقينيا عجزها وفشلها وعدم قدرتها على تلبية متطلبات الشعب الفلسطيني والتي يبدو أنها لا تحظى بالاهتمام أو الحرص من قبل النخب السياسية في واشنطن المشغولة فقط بتبني كل ما من شأنه المساس بأمن إسرائيل وممارستها لحق الدفاع عن النفس بينما الشعب الفلسطيني مجرد من كل الحقوق وليس بوسعه أن يكون مثله مثل غيره من شعوب العالم متمتعا بحق تقرير المصير وتلك إشكالية في الفكر السياسي الغربي لا تنبئ عما يطلق عليه بسياسية المعايير المزدوجة فحسب ولكنها تعكس خللا بنيويا في منظومة هذا الفكر الذي يميز بين حقوق شعب وآخر على أساس عنصري وديني فضلا عن مدى انتمائه لمحددات الحضارة الغربية. وثمة حقيقية تستوعبها القيادة الفلسطينية جيدا. تتمثل في أن الولايات المتحدة ستواجه تحركها باتجاه مجلس الأمن من خلال سلاح الردع السياسي الذي تلجأ إليه كل مرة يتعلق الأمر بحق أو مطلب فلسطيني متجسدا في استخدام حق النقض – الفيتو وهو ما ينطوي على إجهاض حقيقي للخطوة المرتقبة على هذا الصعيد غير أنه يمكن القول إن التحرك الفلسطيني بهذا الاتجاه يهدف بالدرجة الأولى إلى كشف المستور في منظور المجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة وبعض الأطراف التي تؤيدها في مجلس الأمن ومن بينها رواندي واستراليا ونيوزلندا ولوكسمبرج لتقول للعالم أن هذه الأطراف ترفض حقا يتصدر حقوق الشعوب في العالم وهو حق تقرير المصير وإن لم تحصل عليه عبر مجلس الأمن فإن ثمة بدائل أخرى عبر هيئات ومنظمات أخرى تابعة للأمم المتحدة وإن كانت أقل إلزامية من المجلس صاحب السطوة الاستثنائية للدول الخمس الكبرى. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الفلسطينيين يراهنون على أصوات سبعة من الدول الأعضاء وهي روسيا والصين والأردن وتشاد ونيجيريا وتشيلي والأرجنتين وإن كانت تتطلع إلى حصول القرار على تسعة أصوات في حال تمريره من دون فيتو أمريكي وفي هذا الصدد فإن السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد للجامعة العربية لشؤون فلسطين والأراضي المحتلة يدعو واشنطن إلى عدم اللجوء إلى استخدام حق النقض -الفيتو - ضد مشروع قرار الرئيس الفلسطيني في مجلس الأمن لكنه لايرجح تجاوبها خاصة أنها استعملت الفيتو ضد مشاريع قرارات لحماية الشعب الفلسطينى٤٣ مرة، ويرى أن إسرائيل بالتأكيد لن تفهم من ذلك إلا أنه حماية لمشروعها في الاستيطان وتخريب السلام وحل الدولتين وبالتأكيد فإن القيادة الفلسطينية – كما يضيف - لديها الكثير من البدائل كالذهاب إلى كافة المنظمات الدولية والتحرك في الأمم المتحدة وفق ما اتفق عليه في مبادرة السلام العربية ولم تشأ حكومة بينامين نيتانياهو المتطرفة إلا أن تستبق الخطوة الفلسطينية بتصريحات جاءت على لسان وزير دفاعها موشيه يعالون – قبل أيام- أكد فيها رفض أن الدولة العبرية لن تسمح بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وإنما ستسمح فقط بحكم ذاتي منزوع السلاح وستكون لها السيطرة الأمنية الجوية والبرية الكاملة في إطار حرصها على إدارة الصراع مع الفلسطينيين وليس البحث عن حل للقضية. ويمكن إضافة إلى ذلك مطلب هذه الحكومة والذي بات يحظى بإسناد أمريكي قوي بشأن ضرورة الاعتراف الرسمي الفلسطيني بيهودية دولة إسرائيل والذي يعني عمليا عملية تطهير عرقي كاملة تسفر عن ترحيل العرب المقيمين في حدود 1948. وكل ذلك يضع بالضرورة العقبة تلو العقبة أمام القيادة الفلسطينية في توجهها لتحريك المياد الراكدة في مسار العملية السلمية في المنطقة والتي ستظل تراوح مكانها إن لم يغادر الجانب الفلسطيني منطقة الإقامة في خانة الانقسام الفعلي على الرغم مما جرى مؤخرا من تحول نوعى صعيد تطبيق اتفاق المصالحة وانعقاد حكومة التوافق الوطني بقطاع غزة وهو ما يستوجب أن تسعى قيادات مختلف الفصائل وفي صدارتها بالطبع فتح وحماس إلى التكريس الواقعي لمنهجية التصالح والتوافق ليكون ذلك ظهيرا قويا للقيادة في توجها إلى تغيير طبيعة التحرك باتجاه حل القضية التي مضى عليها أكثر من ستة عقود.