15 سبتمبر 2025

تسجيل

القلوب البيضاء

20 أكتوبر 2013

كنت أوقن وأنا طفلة صغيرة أن حجيج بيت الله الحرام حين يعودون من أداء الفريضة الكبرى (فريضة الحج)، يعودون بقلوب بيضاء مغسولة بالماء والثلج، ليس بالصفة المجازية وإنما بحق، حيث إنهم يفتحون قلوبهم هناك فينزعون منها كل كره وكل حقد فيعودون بقلوب بيضاء لا شائبة فيها، والآن بعد كل تلك السنين مازلت أوقن أن القلوب تعود بحق بيضاء، حتى لو لم تفتح وتغسل في مكة؛ فهذه الرحلة الممتعة الحافلة بأنواع الطاعات، والتي وقف فيها الحاج على المشاعر المقدسة، وذكر الله تعالى فيها، وسأله حاجاته الدنيوية والأخروية، وتضرَّع إلى ربه في مغفرة ذنبه وستر عيبه، ها هو الآن يعود إلى أهله طاهراً من سيئاته، عليه وقار العبادة والنُّسك، إن كان قد أخلص لله في عبادته، والتزم هدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.. والحق أقول: إننا بادئ ذي بدء لابد أن نحَيّي جهود المملكة العربية السعودية ملكاً وحكومة وشعباً في خدمة بيت الله وحجاجه الاطهار، ونحَيّي خادم الحرمين الشريفين على هذه التوسعة التاريخية، التي ستيسر في الأعوام القادمة الشعيرة المقدسة، لتكون أكثر يُسراً وسهولة، وأكثر روحانية وقدرة على التعبد والتقرب إلى الله العلي القدير. وإذا كان الحجيج قد بدأوا في العودة الى بلدانهم ليبدأوا حياةً جديدة، يبتعدون فيها عما يخالف ما عاهدوا عليه ربهم في طوافهم ووقوفهم في عرفة، من التوبة والعزم على فعل الطاعات، والتنزه عن المحرمات، فنحن أيضاً ـ ومن لم يكتب له الحج هذا العام ـ ندعو الرحمن أن يتقبل صيامنا في يوم عرفة وطاعتنا، وأن نكون قدوةً لأهلنا وأقاربنا وجيراننا في حب الخير، والتزام العمل الصالح، وحضور مجالس العلم النافع،  ومصاحبة الصالحين، وفي هذا المقام ـ وأعني به مقام عودة الحجيج الى أهليهم وذويهم ـ فقد علمتنا السنَّة النبوية المطهرة عدة أمور حين العودة؛ نذكر منها ونذكر أنفسنا أولاً في التعجيل بالعودة وعدم إطالة الغيبة دون حاجة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "السّفر قطعةٌ من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه، فليعجل الرجوع إلى أهله" متفق عليه، فالسفر يمنع كمال النوم لما فيه من المشقة والتعب ومقاساة الحر والبرد، ومفارقة الأهل والأصحاب. ثانياً: أن يقرأ دعاء السفر عند رجوعه: لما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبَّر ثلاثاً، ثم قال: "سُبْحانَ الَّذِي سخَّر لَنَا هَذا وَما كُنَّا لَهُ مُقرِنِينَ، وإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ"، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البِرَّ والتَّقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا واطوِ عنَّا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إنِّي أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل.. وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: "آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون".. ثالثاً: يستحب أن يحمل الحاج لأهل بيته وأقاربه شيئاً من الهدايا على قدر الإمكان، فإن الأعين تمتد إلى القادم من السفر، والقلوب تفرح به، والهدية سبب في إزالة غوائل الصدور وذهاب الشحناء من نفوس الناس، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، ويثيب عليها، رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم "ولو أهدي إليَّ دراعٌ أو كراع لقبلت" رواه البخاري. وأشهر هدايا الحجاج: ماء زمزم الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنها مباركة، إنها طعام طعم" رواه مسلم وزاد الطيالسي: "وشفاء سُقم" وفي الحديث الآخر: "ماء زمزم لما شُرب له" رواه ابن ماجة والحاكم وهو حسن، وكذا هدية السواك، الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم "مطهرةٌ للفم، مرضاة للرب" رواه أحمد والنسائي، وهو صحيح وأخيراً الدعاء الى العلي القدير أن يتقبل من حجاج بيت الله الحرام، وأن يجعل حجهم حجاً مبروراً وذنوبهم مغفورة، إنه نعم المولى ونعم النصير.