13 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ اللحظات الأولى لوقوع الانقلاب العسكري في يوليو الماضي، وهناك تساؤل يلح على كثير من المتابعين والمحللين، يدور حول عناصر الاختلاف بين انقلابي 1954 و2013 الذي أطاح خلالهما الجيش بسلطة الإخوان، حيث كانت جماعة الإخوان هي الداعم الأساسي للرئيس محمد نجيب في عام 1954 في مواجهة جمال عبدالناصر، وفي عام 2013 كان الرئيس أحد أبناء الجماعة. والحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال تستلزم البحث في النهج الذي سلكته الجماعة منذ ثورة يناير وحتى الآن. وكما أشرنا في مقال سابق بعنوان" العسكر والإخوان: انفجار الصراع المؤجل"، فإن جماعة الإخوان كانت تعلم علم اليقين أن ثورة يناير هي مجرد بداية لصراع طويل سيمتد مع المؤسسة العسكرية التي تسيطر على السلطة بشكل كامل وبالتالي تهيمن على كافة مؤسسات الدولة العامة والخاصة. ولذا عملت الجماعة على تأجيل الصراع أكبر فترة ممكنة من أجل الاستعداد للمرحلة التالية التي ستكون تكلفتها عالية جدا. وهذا الاستعداد كان يتمثل في السعي للحصول على عناصر القوة التي تمتع بها العسكر في انقلاب 1954 وجعلته ينجح ويستمر لحوالي ستة عقود كاملة. وأهم هذه العناصر التي سعى الإخوان لسحبها من يد العسكر هي الشرعية الشعبية والدستورية. لذا عملوا، بمساعدة لجنة تعديل الدستور في 2011 التي كان يرأسها المستشار طارق البشري، على وضع خارطة طريق تبدأ بإجراء الانتخابات البرلمانية، التي من خلالها تحصل الجماعة على الشرعية القانونية التي تؤهلها للمضي قدما في وضع الدستور عبر لجنة المائة التي سيختارها البرلمان، وبالتالي تحصل الجماعة على الشرعية الدستورية إلى جانب الشرعية القانونية. وكانت تسعى الجماعة في الوقت نفسه إلى الحصول على شرعية شعبية أكبر من خلال توسيع دائرة مؤيديها عبر استخدام البرلمان في توفير مستوى أفضل من الحياة للشعب المصري. لكن قيام المؤسسة العسكرية بمساعدة باقي مؤسسات الدولة التي كانت تسيطر عليها بسبب سيطرتها على السلطة التنفيذية، بتفجير الأزمات الحياتية، دفع الإخوان لتوسيع دائرة تحركهم للحصول على السلطة التنفيذية لوقف مخطط الجيش لحرق شعبية الإخوان في الشارع تمهيدا لإفقادهم الشرعية القانونية والدستورية التي قطعوا مسافة كبيرة في الوصول إليها في ذلك الوقت. وبالفعل دفع الإخوان بمرشحهم خيرت الشاطر ثم محمد مرسي لخوض الانتخابات الرئاسية، وهو ما دفع العسكر إلى إصدار بيانهم الشهير في أبريل 2012 الذي حذر فيه الجماعة من تكرار تجربة 1954. لكن الجماعة كانت حينها قد قطعت شوطا طويلا في خطتها لمنع تكرار هذه التجربة مرة أخرى. بعد وصول مرسي لمنصب الرئاسة بدأ الإخوان في السعي لاستكمال الحصول على الشرعية الدستورية بإقرار دستور 2012 الذي واجه مقاومة شرسة من المؤسسة العسكرية، التي استخدمت المعارضة العلمانية ومؤسسات الدولة الأخرى في محاولة تعطيله. ثم حصلت على الشرعية القانونية في مارس 2013 مع تسجيل جمعية الإخوان المسلمين بشكل قانوني وفق قانون الجمعيات. عند هذه النقطة، أصبحت الجماعة مستعدة جيدا لمواجهة الانقلاب العسكري القادم، الذي وقع بالفعل بعدها بعدة أشهر. كانت تعلم أن ما حصلت عليه هو العنصر الأهم في عدم نجاح هذا الانقلاب، لكنه ليس كافيا حيث كان الأمر يتطلب تضحيات كبرى، وهو ما وقع بالفعل عبر تعرضها وباقي القوى السياسية التي وقفت ضد الانقلاب، لمذابح مروعة لم يشهد التاريخ المصري مثيلا لها. من هنا يمكن أن نفهم لماذا لم ينجح الانقلاب حتى الآن، ولماذا يستجدي قادة الانقلاب اعتراف العالم بهم، ولماذا يضطرون للتفاوض مع الإخوان وباقي أعضاء التحالف الوطني، ولماذا يرفض التحالف كل عروض قادة الانقلاب بما فيها تشكيل الحكومة والإفراج عن كل المعتقلين.