13 سبتمبر 2025

تسجيل

هراء «دان براون» الخلاب!

20 أغسطس 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ربما كان «اختلاف المفاهيم» هو السبب في تفاوت النظر إلى روايات «دان براون»ـ التي بدأها بـ«الحصن الرقمي» وذاعت منذ «شفرة دافنشي» حيث اعتبرها البعض روايات مهمة، يزيد من قدرها شجاعتها في كسر «التابوات» واختراق المحرمات. واعتبرها البعض الآخر وأنا منهم قصصا بوليسية، مشوقة نعم، ومثيرة كما تشاء، لكنها كالليمون والمناديل الورقية ـ تستعمل مرة واحدة، وتبوح ببهجتها كاملة وأسرارها كافة مع القراءة الأولى،وكالمقرمشات يحبها الأولاد أكثر! أما «التابوات» التي يقال إنها تكسرها فهي موجودة في مخيلة وثقافة من يتحدث عن الكسر، لكنها ليست كذلك بالنسبة لـ«دان براون» نفسه، ولا لمجتمعه.يرجع نجاح روايات «دان براون» المدوي في تقديري إلي عنصرين تقودهما موهبة لا شك فيها: الأول طريقة اختيار مسرح الأحداث (عنصر المكان في الروايات)، والثاني: الأسلوب الذي يمزج السرد الروائي بالوثائقي، صحيح أن المعلومات الوثائقية مجرد «خلفية» لأحداث كلها من خيال المؤلف، لكن هذه الخلفية تضفي على «الخيال» نكهة «الوثيقة»، وتصبغ «القص» بصبغة «الحقيقة»، بأسلوب لخصه الناقد البريطاني «مارك لوسون» في جملة واحدة، حين وصف «شفرة دافنشي» بأنها «هراء خلاب».«هراء» بالمنطق الوثائقي والتاريخي، لأن كل ما يسوقه «براون» باعتباره حقائق هو أحداث مختلقة وإن استندت إلى مرجعيات حقيقية، و«خلاب» بالمنطق الفني لأنه يخلب القلب والعقل معا. يسيطر على العقل بما يتيحه له من «أسرار» يكتشفها و«الأسرار تجذب اهتمامنا جميعا» كما يقول «دان براون» ـ ويستحوذ على الوجدان بإيقاظ نزعات إنسانية قديمة، وتنشيط معتقداتسطوتها محدودة على الزمان أو المكان، وربما عليهما معا، مع ذلك فإن كونها «معتقدات» يجعلها على نحو ما ذات صلة بالوجدان الإنساني العام؛ ما يمنحها قربا إلى نفوس القراء. ومن ناحية أخرى فإن ضيق رقعة انتشارها يضفي عليها غموضا جذابا، ويمنح التعرف عليها سحر الاكتشاف. هذه الطريقة في مزج الروائي بالوثائقي يدين بها «براون» لهوليوود التي يقول عنها: «عشت فيها فترة، وحاولت أن أفعل شيئا في مجال الموسيقى والأغنية، ولم أوفق في ذلك؛ فقررت أن أتجه لكتابة القصة وحققت مبيعات لابأس بها».على أن الصلة بين «براون» وهوليوود أوثق وأعمق من هذه الفترة التي يشير إليها، ذلك أنه في الحد الأدنى واحد من الملايين الذين سحرتهم السينما وجذبهم سحر قاعاتها المظلمة وشاشاتها المضيئة، وقد بدا تأثره بهذا السحر جليا وهو يستعير طريقتها في مزج الروائي بالوثائقي، كما تجلى تأثره أيضا في اختياره مسرح أحداث رواياته على طريقة السينما، التي لا تذهب بنا عادة إلى الأماكن المألوفة والسبل المطروقة، فهي تفضل الجزرالمعزولة والأماكن النائية في الجبال والوديان والصحارى على المدن والقرى المعروفة، كما تعشق كاميرا السينما القصور والأكواخ بالقدر نفسه، لكن مساكن الطبقة الوسطى لا تجذب عدستها إلا قليلا. وقد اختار «براون» أماكن رواياته بالطريقة نفسها.ولا يختلف اختيار «براون» لشخصياته عن الأجواء المألوفة للقصص البوليسية، حيث الأشرار فائقو الذكاء والسلطة والثروة، والأخيار لا يترددون في التضحية بأرواحهم، والأبطال لا يموتون مهما جرى لهم. أما النساء فالمهم ـ غالبا أنهن جميلات، مهما كان ذكاؤهن، ومهما كن يتمتعن بمكانة رفيعة. ولمزيد من تأكيد الطبيعة البوليسية للروايات، فإن «دان براون» لا يبخل على قرائه بشخصية «المخبر السري» التي ميزت عالم القصص البوليسية، منذ الأول «شرلوك هولمز»، وصولا إلى «روبرت لانغدون» الذي يقدمه «براون» فيروايتيه ملائكة وشياطين وشفرة دافنشي، ورفيقه «مايكل تولاند» الذي قدمه في «حقيقة الخديعة»، ومن قبلهما «ديفيد بيكر» بطل «الحصن الرقمي» وكل منهم ذكي مثقف كهولمز، بارع بالفطرة في حل الألغاز كطيب الذكر «هركيول بوارو» بطل روايات «أجاثا كريستي» وجذاب قوي البنية كجيمس بوند الشهير!.. ولـ «تابوات» براون حديث آخر.