18 سبتمبر 2025

تسجيل

العرب وحلف شمال الأطلسي

20 يوليو 2018

انعقدت قمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل يومي 11 و 12 يوليو الجاري بحضور قادة 29 دولة عضوة في الحلف ومشاركة دولة قطر كشريك فاعل بوفد ترأسه وزير الدولة للدفاع د.خالد محمد العطية ولعل هذه القمة والمشاركة العربية تستدعي تحليلا، فالحلف يضم من أبرز أعضائه الجمهورية التركية. و كان من الحكمة لدى القيادة القطرية الاستمرار في سياسة الحضور في المؤسسات الدولية كشريك ناجع في مقاومة الإرهاب، وتفنيد مزاعم محاصريها، وإثبات حقها المشروع في السيادة الوطنية وفرض مواقفها في مساندة الحقوق الفلسطينية دون تردد في محافل الغرب . إن حلف شمال الأطلسي منذ تأسيسه سنة 1945 في أعقاب انتصار الحلفاء في حربهم ضد النازية الهتلرية حينها بدأت الحرب الباردة بين المعسكر الشيوعي بزعامة ما كان يسمى الإتحاد السوفييتي وبين المعسكر الغربي الأطلسي بزعامة الولايات المتحدة. لأن موسكو المنتصرة هي أيضا على ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية أسست حلف وارسو (على اسم عاصمة المجر التي انعقد فيها أول اجتماع للحلف الشيوعي العسكري) وقد عاش العالم كله مخاطر الحرب الباردة وتداعياتها التي تحولت إلى مصادمات مسلحة خطيرة في حرب الهند الصينية والحرب الكورية وكادت تؤدي إلى مواجهة نووية في حصار كوبا سنة 1962 . ولم ينج العالم من ويلات الجحيم المبرمج إلا بفضل ما سمي (توازن الرعب) أي ببلوغ العملاقين درجات متساوية من القوة النووية جعلت كليهما يتخوف من ردة فعل الطرف الثاني في حال اندلاع الشرارة فما كان منهما حينئذ سوى اللجوء للحذر والحيطة وتعديل الخطاب الحربي ثم في بداية السبعينيات الشروع في التلويح بالحلول السلمية واجتناب التهديد وتقديم التنازلات إلى أن توجت هذه المجهودات الاضطرارية بمعاهدة هلسنكي التي وقعها بالخصوص الزعيم السوفييتي الراحل ليونيد بريجنيف والرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون وقد دشنت هذه المعاهدة عهدا جديدا من التوافق النسبي والتخلي تدريجيا عن السباق النووي على الأقل قولا وتصريحا لا فعلا وتطبيقا. هذه خلفية الصراع التقليدي بين الغرب والشرق الذي وضع العرب وكل الشرق الأوسط في منزلة ثانوية من الاهتمام لأن عناصر جديدة فاجأت المعسكرين وغيرت معادلات التاريخ السياسي الحديث وأبرزها تحطيم جدار برلين سنة 1989 وبداية مسلسل انهيار الإمبراطورية الشيوعية بتفكك جمهوريات الإتحاد السوفييتي وتوحيد شطري ألمانيا و التحاق أغلب الشعوب الأوروبية الشرقية بالمعسكر الأطلسي الأمريكي وكاد حلف الناتو أن يفوز بالإنفراد بالأحادية القطبية إلى أن وصل بوتين إلى رأس السلطة بمشروعه الإمبراطوري فأعاد الروح القيصرية للأمة الروسية إلى درجة تمرير صفقة القرم دون ردود فعل غربية . ثم حلت الصين بقوتها الاقتصادية ونفوذها الاستراتيجي فتغيرت كل المعادلات وأعيدت كل الحسابات . لكن ما يهمنا نحن العرب هو معرفة موقعنا الحقيقي على رقعة الشطرنج الإستراتيجية الدولية و كيف نحمي مصالحنا في عالم متغير بسرعة مدهشة ولا مكان فيه للضعفاء والخانعين ؟ فنحن اليوم نواجه مشروعا متفقا عليه لتصفية الملف الفلسطيني نهائيا دون أن ندرك أسرار العلاقات الدولية المعقدة و المصالح الأنانية المتشعبة فنوظف طاقاتنا لخدمة شعوبنا و نحمي هوياتنا وننسق جهودنا ونوحد غاياتنا بابتكار مشروع حضاري عربي مستقبلي وسط هذه الأدغال من القوى المتصارعة حولنا والطامعة في تقاسم خيراتنا كأنها غنائم حرب . اليوم في أواسط عام 2018 نحن أمام غرب مفكك و المؤشرات تتأكد كل يوم حين نرى موقف الرئيس الأمريكي ترامب محرجا ينتقده زعماء حزبه والحزب الديمقراطي وعديد القوى الدستورية الأمريكية لأنهم غير راضين عن أدائه أمام بوتين في قمة هلسنكي ونرى ترامب يتراجع و يعترف بوجاهة استنتاجات (مولر) بخصوص التدخلات الروسية في انتخابات 2016 الأمريكية ثم نرى تكتل الدول الأوروبية ضد قرار ترامب بالانسحاب من معاهدة النووي الإيراني ثم نرى قمة التصدع الغربي باندلاع الحرب التجارية بقرار ترامب فرض الضرائب الثقيلة على منتجات الدول الأوروبية (حلفاؤه التقليديون) والصينية والروسية فنشهد لأول مرة منذ سبعين عاما اصطفاف فرنسا و بريطانيا و ألمانيا و دول أوروبا إلى جانب الصين وروسيا في رفض قرارات ترامب ! أما عالمنا العربي فهو أشد تفككا من الغرب وأفدح وضعا بسوريا وحربها الأهلية والدولية وعراق منتفض من أجل الماء والخدمات الأساسية وليبيا المتوغلة في نفق العنف و يمن تحت القصف و استحالة الحسم العسكري وشمال إفريقيا المعاق بليبيا وبتونس الداخلة في أزمة اقتصادية وسياسية ومغرب يواجه غضب شبابه و جزائر حائرة في توجهات مصيرها و تفاقم معضلة الصحراء بين غربية و مغربية مما عطل وحدة الشعوب المغاربية على مدى جيل كامل ! إننا أمام تصادم غرب مأزوم بعرب مأزومين لم نستخلص دروس التاريخ القاسية و لم نتعلم من أخطاء ماضينا.