13 سبتمبر 2025

تسجيل

ولادة عسرة لاتفاق تاريخي

20 يوليو 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لم يأت توقيع الاتفاق على برنامج إيران النووي مفاجئا، فمنذ أمد ليس ببعيد كان واضحا أن مسار العلاقة الإيرانية الأمريكية يتجه نحو تفاهم ما بشأن هذا الملف الشائك. بالمقابل لم تثن التحذيرات التي أطلقتها بعض الأطراف التي تتوجس من مشاريع إيران التوسعية ولا التهديدات التي أطلقها رئيس وزراء إسرائيل بشأن ملف إيران النووي من عزيمة الغرب وتحديدا الولايات المتحدة من التوصل إلى اتفاق شكَّلَ نكسة قوية لأطماع المتشددين في إيران المتعلقة بتحويل إيران إلى قوة نووية يعترف بها المجتمع الدولي كأمر واقع. وفي وقت قد ينشغل فيه الكثيرون بتحليل الرابح والخاسر من هذا الاتفاق أرى أن الاتفاق قدم لطرفي المعادلة مكاسب هي بمجملها أفضل بالنسبة لهما من الفشل في التوصل إلى اتفاق، فالغرب ضمن عدم تحول إيران إلى دولة نووية لمدة عقد ونصف العقد من الزمان وهي مدة كافية لتغيير الكثير من الأمور على الأرض ولتغيير موازين القوى السياسية داخل إيران نفسها، كما ضمن الغرب بقاء الحظر على تصدير السلاح إلى إيران لمدة تزيد على خمس سنوات، والأهم هو حرمان إيران من تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد على 3.7% وهي نسبة لن تكفي أبداً لإنتاج أي نوع من السلاح النووي. صحيح أن أوباما سيواجه معارضة شرسة داخل الكونجرس، إلا أنه على الأرجح لن ينجح الكونجرس في تخريب الاتفاق إلا إذا قدمت إيران الذريعة وهو أمر مستبعد بعض الشيء.بالمقابل، حققت إيران الهدف الأهم وهو رفع الحصار وإنهاء العقوبات المتعلقة بالملف النووي، ومن المنتظر أن تبدأ إيران بالحصول على الكثير من العائدات ومليارات الدولارات من أرصدة مجمدة بعد أن تقدم وكالة الطاقة الذرية تقريرها الذي لن تنتهي منه إلا بعد جولات من التفتيش والتحقق وهو ما قد يصل إلى نهاية العام القادم. وفي وقت تنازلت فيه إيران عن الكثير من عناصر برنامجها النووي الذي كلفها مئات المليارات من حصار وعقوبات وغيرهما إلا أنها ضمنت الاعتراف بحقها في إنتاج الطاقة النووية السلمية شريطة بقائها عضوا في معاهدة حظر نشر السلاح الذري.من جانب آخر فقد ربحت إسرائيل وخسر نتنياهو معركته الخاصة مع إيران ومع أوباما، فلم يتمكن نتنياهو من إجبار الغرب على تبني وجهة نظره التي كانت تقضي بضرورة تفكيك كامل البرنامج النووي حتى يكون الاتفاق جيدا، غير أن الاتفاق ضمن لإسرائيل أن تحتكر السلاح النووي لمدة عقدين على الأقل وهي فترة طويلة نسبيا تزيل فزاعة الخطر الوجودي الذي كان يرفعه نتنياهو كل مرة يذهب فيها إلى الانتخابات. فعلى العكس مما يقوله نتنياهو فإن الاتفاق، إن تم تطبيقه بشكل صارم، فهو في صالح إسرائيل، فالغرب هو من خاض مواجهة مع إيران نيابة عن إسرائيل، لكن ليس وفقا لشروط نتنياهو التعجيزية. والحال أن الاتفاق أسهم في نزع فتيل التوتر بين الغرب وإيران في هذا الملف على وجه التحديد. وهنا علينا أن نعترف بأن الاتفاق شكل غصة لدى العرب عموما وخاصة من يرى منهم أن تطور العلاقة بين الغرب وإيران سيكون على حسابهم. لذلك فإن الدرس الأهم الذي ينبغي على العرب استبطانه جيدا هو فشل الرهان على الغرب، وإذا كانت هذه الخلاصة صحيحة – وهي في ظني كذلك – عندها هل يمكن الرهان على ما سمعته من بعض المحللين العرب بأن الرئيس الأمريكي القادم سيكون جمهورها وسيتراجع عن الاتفاق في حال بقاء الكونجرس بنفس التركيبة؟! ثمة فرق بين التحليل الذي يستند إلى سيرورة ومنطق من جهة وبين التحليل الرغائبي من جهة أخرى، والراهن أن لا بديل عن إعادة النظر في الإستراتيجية العربية المختلفة واستبدالها بإستراتيجية تأخذ بزمام المبادرة بعيدا عن موقف واشنطن وغيرها. وإيران المنتشية بما حققته من "إنجاز" ستكون دافعا إضافيا لقوى عربية تتماهى من أجندات إيران، وهنا على الجانب العربي أن يرفع من استعداداته والعمل على التنسيق لإلحاق هزيمة بإيران في سوريا أولا. لن يحترم الغرب العربي المهزوم والمستسلم وإنما العربي القوي والمنتصر.أظهر الاتفاق النووي انكشاف العرب الإستراتيجي وهو بهذا المعنى يطرح أسئلة وتحديات لا أرى أن النظام العربي الحالي قادر على الارتقاء إلى مستوى اللحظة التاريخية. وإذا استمر العرب بنفس السياسة وبنفس النسق الاستقطابي القاتل، فإن إيران ستمتلك ترف الوقت لإعادة ترتيب أوراقها الداخلية والإقليمية وعندها ستكون كلفة مقاومة العرب لهذا المشروع عالية وربما فوق طاقتنا. والأنكى إن تمكنت إيران من الدخول في شراكة مع الغرب عنوانها محاربة الإرهاب الذي يتهم فيه بعض العرب بتمويله، فإيران بذلك تعزف على وتر حساس وهو تراجع الغرب عن دعم التحول الديمقراطي والتركيز على الاستقرار وهي نقطة ستعلي من قيمة إيران وربما تدفع إيران لتكون حليف الأمر الواقع.بكلمة، ما من شك أن الاتفاق، إن قدر له التنفيذ، سيكون تاريخيا، لأنه يعني من جملة ما يعني قبول إيران كلاعب في الإقليم له أهداف "مشروعة"، وهذه برأيي نقطة تحول ويمكن أن تكون سببا لتغيير قواعد اللعبة (game changer) على الكثيرين في هذا الإقليم، أن يستفيقوا من غفوتهم والتوقف عن الاستمرار بالرهان على الولايات المتحدة التي تبحث عن مصالحها بشكل مستقل عن حلفائها.