18 سبتمبر 2025

تسجيل

قطع الأرحام

20 يوليو 2014

إن المرء الذي امتلأ قلبه بالإيمان يسير على قيم الإسلام وآدابه كما أمر بها، فهو يصوم شهر رمضان ويقوم لياليه طمعا في رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء، فما تجده في هذه الأيام المباركة إلا باحثا عن رحمه لوصلها والبر معها، لأنه يعلم حق العلم أن في صلته لرحمه، وفي أدبه مع أقاربه لقربة من أعظم القربات التي يتقرب بها إلى الله، ويدرك أن هذا البر والصلة يجلبان البركة في الرزق وفي العمر، ديننا الحنيف زرع في نفوس أبنائه بعض الأمور الاجتماعية، مثل إفشاء السلام وكف الأذى والمصافحة والتناصح بين المسلمين، حتى تبقى أسباب الود بين القلوب معقودة الأواصر ولتزداد وشائج الأخوة بين المؤمنين صلابة وقوة، وبذلك يستطيع المجتمع المسلم أن يعيش إسلامه وينهض بتكاليف رسالته في الحياة، فإن الحق سبحانه وتعالى نهى عن أذية المسلمين لعظم حرمة المسلم، ولأن ذلك يفضي إلى وقوع العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع ويؤدي إلى انتشار الكراهية والبغض بين الناس وزعزعة الأمن الاجتماعي وقطيعة الرحم وانصرام حبال المودة بين الأهل والأقارب.إن من آفات التواصل المشينة أن تشغلك عن رحمك فتقطعها أو تكون وسيلة للخلاف بين الأقارب بسبب رسائل خبيثة أو كلمات تقطع أواصل الرحم، فيخسر العبد دينه ودنياه، لذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعهد قلوب المسلمين، فيغرس فيها غرسات الوفاء التي تحقق التكامل والترابط بين أفراد المجتمع، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)، فالنفس البشرية بطبيعتها محبة للخير تعمل على التماس السبل التي تسوق لها السعة في الرزق والبركة في العمر والأجر والهدي النبوي يخاطب هذه النفس، فيرشد إلى طريق السعة في الرزق وكثرته ووسيلة بلوغ ذلك كله صلة الرحم ولاشك أن صلة الرحم باب خير عميم، فيها تتأكد وحدة المجتمعات وتماسكها وتمتلئ النفوس بالشعور بالراحة والاطمئنان، إذ يبقى المرء دوما بمنجى عن الوحدة والعزلة، ويتأكد أن أقاربه يحيطونه بالمودة والرعاية، ويمدونه بالعون عند الحاجة، وإن البر والصلة يكونان سببا في محبة الناس والثناء عليه وبالمقابل تكون قطيعة رحمه شؤما عليه وبلاء ومقتا له من الله ومن الناس، وبعدا له عن الجنة في دار القرار. إن الإسلام في سماحته وإنسانيته، يوصي بالمودة بين الأقارب ويحث على صلة الأرحام، لهذا ينبغي على كل عبد واعٍ أن يكون واصلا لرحمه، لا تلهيه الدنيا ولا المال ولا الزوجة والولد عن تفقد ذوي رحمه وقرابته وبرهم وإكرامهم ومعونتهم وهو في ذلك يتبع هدي ديننا الحنيف الذي نظم هذه الصلة. وإن الإسلام حفي بالرحم حفاوة ما عرفتها الإنسانية في غيره من الأديان والنظم والشرائع فأوصى بها ورغب في صلتها وتوعد من قطعها، وليس أدل على حفاوة الإسلام البالغة بالرحم من تلك الصورة الرائعة التي رسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم للرحم، تقوم بين يدي الله في الساحة الكبيرة التي خلق الله فيها الخلق، فتستعيذ به من قطيعتها، ويجيبها الله عز وجل إلى سؤلها، فيصل من وصلها ويقطع من قطعها، ولقد جاءت آيات القرآن الكريم تترى مؤكدة منزلة الرحم في الإسلام حاضَّة على الإحسان إليها، وإرهاف المشاعر للإحساس بوشائجها وأداء حقوقها، وتوقي هضم تلك الحقوق أو خدشها أو مسها بظلم أو أذى، محذرة من الإساءة إليها، إذ جعل التكافل الاجتماعي يبدأ من محيط الأسرة ثم يمتد إلى دائرة الأقربين ثم ينساج في محيط الجماعة، في سهولة ويسر وفي تراحم ورضا ومودة، يجعل الحياة حلوة جميلة لائقة ببني الإنسان، وحسبه أن يسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل قاطع رحم بأنه لا يدخل الجنة، فاحذر أن تكون أدوات التواصل هي نفسها التي تمنعك من دخول الجنة.