13 سبتمبر 2025

تسجيل

في رحاب رمضان (4)

20 يوليو 2014

أجمل اللحظات لمن تعب وبذل مجهودا وتبلل جبينه بالعرق هي لحظة الحصاد.. لحظة أن يرى مجهوده وثمره كفاحه حقيقة مجسدة بين يديه بعد أن ظلت سنوات حلما صغيرا يكبر يوماً بعد يوم.نعم إنني أتحدث اليوم عن ابن عُمري أتحدث اليوم عن فلذة كبدي سعود، هذا البرعم الأخضر الذي واليته بعمري وحياتي حتى صار رجلا فانهمرت دموعي لحظة نجاحه، لحظة أن نطق اسمه بين الناجحين تزلزت في مكاني، وشعرت ان تعبي لم يذهب هباء، وان زرعي قد نبت وأثمر رجلا قوياً محبا لوطنه قطر، وجنديا مخلصا في سبيل ثراه الطاهر.والحق أقول إنني هنا لا أتحدث كوني أم سعود فقط، ومسؤولة عن تربية أبناء وحسب، ولكني أتحدث بصفة عامة عن كل مربٍ، وعن كل معلم وعن كل أم وكل أب بل وعن كل من أوكلت له تربية أحد سواء كان جداً، أو جدة، عماً أو خالة هو أن نبشرهم جميعا، بأن لهم أجرا مضاعفا لا حد له، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:« مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»، فكل شيء يلقنه المربي للولد فيعمل به فإن له مثل أجره ما عمل به، وأي فضل أعظم من هذا، إذ هذه الدعوة قد تكون من الأب كما تكون من غيره.وقد يقول قائل إننا نتعب من أجلهم لا نريد منهم جزاء ولا شكورا وأقول له نعم نحن كآباء لا نريد منهم شيئا سوى المودة في القربى ولكنهم ايضا من أعمالنا مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ».وكما يقول العلماء الأولاد بنص هذا الحديث من أعمال الإنسان التي تبقى بعد موته، والأعمال منها ما هو صالح يؤجرون عليه، ومنها ما هو دون ذلك، كما تأول الحسن البصري قول المولى عز وجل: (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)وأقول لكم أيضا إنني لحظة نجاح إبني سعود كنت أود أن أعلن للجميع انه ابني وأنا أمه، وبه فخورة وانه ثمرة كفاحي، وابن الليالي التي عانيت فيها من السهر والرعاية وكنت أوقن أن ذلك اليوم سيأتي لأن من فضائل حُسن تربية الأولاد، التكريم في الدنيا بالذكر الحسن، وإن الله تعالى مدح إسماعيل عليه السلام في كتابه، فكان من أهم ما أثنى به عليه أنه كان مهتما بأهله يأمرهم بالصلاة ويربيهم على العبادة فقال سبحانه وتعالى: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً) (مريم:55)وإن الله تعالى كرم عبداً صالحاً من عباده، فذكره باسمه في القرآن، مع أنه لم يذكر كثيراً من الأنبياء فيه، وما ذلك لوصيته العظيمة لابنه ولحرصه على تربيته على العقيدة الصحيحة والأخلاق الفاضلة، قال تعالى:(وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان:13).إذن هي دعوة من أم محبة أن نحسن تربية أولادنا وأن نرعاهم رعاية الغرس الأخضر الصغير حتى يشتد عودهم، وأن يكون عماد تربيتهم القرآن، لأن من حسن تربية الأولاد تحفيظهم القرآن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في جزاء صاحب القرآن يوم القيامة:«ويكسى والداه حلتان لا يقوم لهما أهل الدنيا فيقولان بما كسينا هذا فيقال بأخذ ولدكما القرآن».وأخيراً أشكر الرحمن الرحيم، المنعم علي، الله الواحد القهار، أن بلغني هذا اليوم وأشكر كل من وقف بجانبي ورباه معي، سواءً من معلمين ومعلمات ومن الأهل والأصدقاء، حتى استطعت أن أصل بابني الى ما تمنيته، وما حلمت به منذ زمن بعيد، لأنني كنت له الأم والأب معاً فالله الحمد والمنة.وأتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن صهيب — رضي الله عنه — أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن".وأنا أشكر الله الواحد الأحد الفرد الصمد، وأحمدك اللهم حمدا كثيرا حتى ترضى وحمدا كثيراً إذا رضيت وحمدا كثيرا بعد الرضا، فاللهم تقبل شكري بنعمك علي، التي لا تُعد ولا تُحصى إنك نعم المولى ونعم النصير.