15 سبتمبر 2025

تسجيل

السعادة الحقة

20 يوليو 2013

السعادة غاية كل إنسان يتنسم على وجه البسيطة، وهي هدفه الذي يرنو إليه ويكد نفسه في سبيل الحصول عليه، فيعيش حياته في كبد دائم، ناتج عن سعيه الدءوب وعمله المتواصل، رامياً بلوغ تلك السعادة، التي يختلف الناس في تصورهم وتخيلهم لها، فمنهم من يراها في المال الوفير، ومنهم من يعتقد أنها في الوظيفة المرموقة، ومنهم من يظن أنها في الزواج من حسناء مليحة، حتى لتجد فيهم من يبتذل معنى السعادة أيما ابتذال، فيزعم أنها في المركب الوطيء، والفراش الوثير، والطعام الشهي، كل هذه الجزئيات المذكورة، قد تسبب للإنسان شعوراً بالفرح والسرور، يضحك منها سنه وتنبسط أساريره، لكنها لا تمثل بصدق حقيقة السعادة؛ لأنها أسمى بمعناها وأعمق بكنهها وأرقى بوصفها، من أن تتصل بالماديات، وإنما هي شعور ينبع من وجدان النفس، يكتنفها براحة البال، وانشراح الصدر، واطمئنان الفؤاد. عند فشل أولئك النماذج من الناس، وخيبة مساعيهم، وعجزهم عن نيل ما رسموا لأنفسهم من آمال وأماني كذاب لا عذاب، لسعادتهم المزعومة، أو فقدهم إحدى أسبابها إن تحقق لهم، إذا بهم ينقلبوا قانطين، ناقمين، متضجرين، ساخطين، ثم ينحون بالأئمة على غيرهم، ممن لا يملكون لهم ضراً ولا نفعا، إلا أن يشاء الله، أو يلقون التبعة على الزمن والدهر، أو الحظ والقدر، وهي أسماء، لا حول لها ولا قوة، إذ الله هو المدبر والمقدر، ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن. جملة القول في السعادة أنها تكمن في أمرين، الأول الرضا بقضاء الله، والثاني القناعة بما قسم، ولن يصل المرء إليهما، إلا إذا علم يقيناً، أن ما جرى، وما سيجري عليه من القضاء، قد قدره الله قبل أن يخلق السموات والأرض، بخمسين ألف سنة، كما جاء ذلك في الحديث الشريف، فكل المقادير مكتوبة بعلم الله السابق، في اللوح المحفوظ، وهذا هو معنى قوله عليه الصلاة والسلام :(رفعت الأقلام، وجفت الصحف)، فيطمئن حينذاك، أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن كل ما يجري في هذا الكون، يجري بإرادة الله سبحانه، ولو وضع المرء الآية الكريمة الآتية نصب عينيه، لعاش في سعادة وهناءة طول عمره، قال تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير)، ومعنى قبل أن نبرأها، أي قبل خلق هذه الكائنات المذكورة، المصائب والأرض والأنفس. وانظر وتأمل في التعليل المذكور في الآية التي تليها (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور)، فلا تأس حزناً ويأساً وضجراً، ولا تفرح بطراً وفخراً واختيالاً، فالله لا يرضى لك الحالتين،وإنما يرضى لك الصبر والشكر(إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم...) الآية، وما أحسن قول أحد السلف: (ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكراً، والحزن صبراً). تلكم الآية، تمثل سعادة المرء النفسية في التعامل مع أقدار الله تعالى، أما سعادته في تعامله مع الخلق ففي اعتقادي أنها تكون في شيئين، الأول مخالطة الناس بخلق حسن، وهو من مقاصد البعثة المحمدية، ولولا مقام الإيجاز، وإيثاري له، لأطنبت في الخلق الحسن، أما الشيء الثاني هو السلامة من أذى الناس، وفي رأيي أنه لا يكاد يسلم منه أحد إلا فيما قل وندر، وقد عرض لهذا المعنى شاعر الرسول حسان بن ثابت رضي الله عنه في قوله: وإن امرأً يمسي ويصبح سالما من الناس إلا ما جنى لسعيد ولا أرانا إلا في زمن يصدق فيه قول المتنبي: إنا لفي زمن ترك القبيح به من أكثر الناس إحسان وإجمال أي إذا لم يأتك من الناس قبيح، فهذا بحد ذاته يعتبر إحسانا، أما فعل الخير واصطناع المعروف، لا يخطر لك ببال، فهو قليل وقليل جداً، وسيأتي الحديث عن خلق تحمل الأذى، في مقالة قادمة إن شاء الله تعالى. اللهم اشرح صدورنا لقضائك، ورضنا بقدرك، واكتبنا في السعداء(الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) عسانا أن ننال منك صلوات ورحمة، وأن نكون من المهتدين. آخر سطر: لا تكدح في طلب السعادة، فهي أقرب إليك من شراك نعلك.