31 أكتوبر 2025
تسجيلالحرب الأساسية الآن في مصر تدور حول الدستور الجديد الذي استطاعت اللجنة التأسيسية المنوطة بكتابته إنجاز أكثر من 60% منه حتى الآن، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء منه تماما قبل نهاية شهر رمضان ثم الدعوة للاستفتاء عليه خلال خمسة عشر يوما. ولأن اللجنة التأسيسية استطاع أعضاؤها تحقيق التوافق فيما بينهم حول كل المواد المختلف عليها، خاصة المادة الثانية المتعلقة بهوية الدولة وكذلك المواد المتعلقة بالحقوق والحريات، إضافة إلى اتفاقهم على رفض إعطاء المؤسسة العسكرية أية ميزات تجعلها فوق مؤسسات الدولة، فقد سعى المجلس العسكري من خلال بعض المحامين إلى تقديم طعون لدى القضاء الإداري من أجل حل اللجنة كما حدث في المرة السابقة. وإذا ما استطاع تحقيق ذلك، فإنه وفقا للإعلان الدستوري المكمل الذي يعطيه حق تشكيل اللجنة الجديدة، سيقوم بتعيين أعضاء مقربين منه يضعون دستورا يحقق له أكثر مما يريد. حيث سيتم وضع مواد، بالإضافة إلى المواد الخاصة بالمؤسسة العسكرية، تطالب رئيس الجمهورية بالاستقالة بعد إقرار الدستور، من أجل إجراء انتخابات جديدة سيتم السيطرة عليها هذه المرة لتأتي بإحدى الشخصيات العسكرية أو القريبة من العسكر لإعادة إنتاج النظام السابق مرة أخرى. وفي ظل تواطؤ بعض القضاء مع المجلس العسكري من أجل التحايل على تسليم السلطة إلى المدنيين، كما جاء على لسان تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا التي أكدت في حوار لها مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية على أنها وكثير من القضاة ومنهم بالطبع قضاة المحكمة الدستورية، تحالفوا مع المجلس العسكري من أجل هذا الغرض عبر استخدام الأحكام القضائية كما ظهر في حكم حل مجلس الشعب الذي أصدرته المحكمة وكذلك حكمها بوقف قرار رئيس الجمهورية بإعادة المجلس حتى يتم إجراء انتخابات برلمانية جديدة.. في ظل هذا التواطؤ كان من المتوقع أن تصدر محكمة القضاء الإداري حكما بحل اللجنة التأسيسية يوم الثلاثاء 17 يوليو الجاري، خاصة في ظل ما قامت به المحكمة من تقديم ميعاد النظر في القضية من شهر سبتمبر القادم إلى شهر يوليو. لكن رئيس الجمهورية وأعضاء اللجنة التأسيسية استبقوا الحكم وقاموا بخطوات من شأنها تحصين اللجنة ضد أية أحكام من قبل محكمة القضاء الإداري. فقد قام رئيس الجمهورية بالتصديق على القانون الذي أصدره مجلس الشعب قبل حله والذي يحدد فيه معايير اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية. وبهذا لا يستطيع القضاء الإداري نظر الطعون المقدمة ضد اللجنة لأنه مختص بالرقابة على القرارات الإدارية وليس على القوانين التي يصدرها البرلمان، إذ إن ذلك من اختصاص المحكمة الدستورية العليا التي ستأخذ وقتا أطول في النظر في أية طعون تقدم أمامها الآن بسبب الإجراءات المطلوبة لرفع دعاوى أمامها. كما قام أعضاء اللجنة الذين يحملون عضوية مجلس الشورى بالاستقالة منها وذلك من أجل إغلاق الطريق أمام القضاء الإداري إذا ما أصر على نظر الطعون رغم تصديق رئيس الجمهورية على القانون آنف الذكر، وذلك بسبب تواطؤ هذا القضاء كما أشرنا. حيث إن الحكم الذي صدر بحل هذه اللجنة في المرة الأولى استند إلى وجود أعضاء من مجلسي الشعب والشورى فيها، وهو ما يخالف ما طالبت به المادة 60 من الإعلان الدستوري التي حددت قواعد وإجراءات اختيار هذه اللجنة. من المؤكد أن هذا الجهد الذي يبذله أعضاء اللجنة التأسيسية لإنهاء الدستور في وقت قياسي، ومحاولات رئيس الجمهورية وبالطبع التيار الإسلامي من خلفه، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، يهدف إلى قطع الطريق على المجلس العسكري الذي يمثل رأس حربة النظام القديم، في محاولاته لاستعادة السلطة مرة أخرى من الجماعة التي استطاعت اقتناصها منه بلعبة سياسية شديدة الذكاء. ذلك أن الانتهاء من الدستور وإقراره خلال شهر ونصف الشهر من الآن، مع النص على مواد تتيح لرئيس الجمهورية الحالي البقاء في منصبه حتى نهاية مدته القانونية التي سيحددها الدستور وهي خمس سنوات، ثم إجراء انتخابات برلمانية خلال ستين يوما من إقرار الدستور، سيعني القضاء تماما على أية قدرة لدى المجلس العسكري من أجل استعادة السلطة مرة أخرى، خاصة في ظل الأنباء المتواترة عن اعتزام رئيس الجمهورية استبعاد رئيس المجلس العسكري من التشكيل الوزاري الجديد. حيث من المتوقع أن يسند وزارة الدفاع إلى قائد الحرس الجمهوري، الذي سيبدأ عمله باستبعاد الجزء الأكبر من أعضاء المجلس وتحويلهم إلى المعاش.