12 سبتمبر 2025
تسجيلطوال فترة عملي في السفارة البريطانية في الخرطوم، فشلت أسرة السفارة في إقناعي بربط الكرافتة، ومن ثم كانت أول مرة استخدم فيها ربطة العنق (الكرافتة) هي ليلة زواجي، وكنت قد عدت من دورة دراسية في لندن قبلها بقليل، حيث اقتنيت أول بدلة/ جاكيت في حياتي، وبمناسبة الزواج اشتريت بدلة أخرى كحلية (لا تزال عندي بصحة جيدة)، وفي مساء تلك الليلة المشهودة فوجئ أهلي وأصدقائي بأن الشاب العائد من بريطانيا ارتدى بدلة كاملة بدون كرافتة وصاحوا: مش ممكن تكون مبهدل في ليلة زواجك، وبما أنني لم أكن أملك كرافتة فقد تبرع لي فاعل خير بواحدة وتبرع آخر بربطها لي، وأحسست وهي تضغط على زمارة رقبتي بأنني أخضع لحكم بالإعدام مع تباطؤ في التنفيذ، فما كان مني إلا أن نزعتها ووضعتها في جيب الجاكيت. ولعدة سنوات بعدها لم أكن أملك كرافتة ولا أعرف طريقة ربطها.. ثم صرت يوما ما مديرا للعلاقات العامة والترجمة بشركة الاتصالات القطرية (كيوتل سابقا وأوريدو حاليا) ومسؤولا عن تنظيم الندوات والمؤتمرات والحفلات واستقبال ضيوف الشركة فألزمني المدير العام بارتداء الكرافتة، واضطررت إلى التدرب على ربطها. وصرت "متحضرا" ارتدي الكرافتة في المناسبات "اللي هي". وسبحان الله عندي اليوم نحو مائة كرافتة.. قل ما شاء الله.. نصفها لم يعد صالحا للاستخدام الآدمي بعد انتهاء صلاحيتها.. و30% من النصف الباقي اشتريته من الأسواق الشعبية في بريطانيا بالكيلو.. والكرافتات التي يمكنني استخدامها دون أن يصدر احتجاج عن زوجتي نحو عشرة كلها فرنسية أو إيطالية من صنع تايوان. منذ سنوات قرر المجلس الطبي البريطاني أن على جميع الأطباء عدم ربط الكرافتة خلال ساعات العمل بوصفها ناقلة للجراثيم والميكروبات، وكل من يستخدم الكرافتة يعرف أنها قطعة ملابس لا ضرورة لها البتة، ولا تؤدي وظيفة معينة كما قطع الملابس الأخرى وعدمها خير من وجودها. ولدي كرافتات ظلت معقودة ومربوطة طوال أكثر من عشر سنوات. يعني لم تخضع لغسل او كي طوال أكثر من عشر سنوات، ولك ان تتخيل كم مليون نسمة من الجراثيم تقيم بصورة غير قانونية في تلافيف كل كرافتة. والمستشفيات هي أكبر مستوطنات الباكتيريا، بل من المعروف ان جراثيم المستشفيات قاتلة، ليس لأن مصدرها المرضى بل لأنها حسنة التغذية بحكم انها تعرضت لأنواع عديدة من المطهرات واكتسبت مناعة ضدها، وأشهر أنواع الباكتيريا في المستشفيات هي إم آر إس إيه/ مرسا MRSA ولا يوجد مضاد حيوي ناجع ضدها، ولو أصابت شخصا يعاني جهاز المناعة عنده من الضعف، فاقرأ الفاتحة على روحه!.والأطباء أنفسهم ناقلون للجراثيم والباكتيريا بحكم أنهم يعملون في بيئات تسرح فيها تلك الآفات وتمرح (ومن ثم تجدهم يغسلون أيديهم جيدا بعد التعامل مع كل مريض).. وعلى طاري وذكر الكرافتات وما تحمله من جراثيم فإن أكبر مستودع للباكتيريا والبلاوي المسببة لأمراض الجلد والعيون والجهاز الهضمي والتنفسي هي العملات الورقية، فالدينار او الدولار او الريال او الدرهم او الجنيه الذي في يدك ربما مرّ بأيدي خمسين شخصا، وما من آدمي إلا ويده ملوثة لبعض الوقت يوميا، وعليك أن تغسل يدك بعد عدّ العملات الورقية، ومن باب اللعب على المضمون اشتر عافيتك بان تعطيني ما عندك من تلك العملات وأنا أشيل عنك هم الجراثيم والباكتيريا.