13 سبتمبر 2025

تسجيل

زلزال التشريعيات الفرنسية وعودة القيم الأصلية

20 يونيو 2022

النتائج التي أفرزتها الجولة الأولى للانتخابات التشريعية الفرنسية يوم الأحد 12 يونيه الجاري أو ستفرزها الجولة الثانية أمس الأحد 19 مهما كانت تشكل أكثر من حدث سياسي عادي يقرر من سيكون ضمن الـ577 نائبا عن الشعب الفرنسي في البرلمان ليصبح في هذه الدورة زلزالا حقيقيا بدرجة 7 على سلم التقييم الجيو ستراتيجي. لماذا؟ لأن الشعب الفرنسي لديه عقيدة في الأغلب لم يحد عنها ولم يغيرها على مدى نصف القرن المنقضي، وهي أنه في الرئاسيات يختار أقرب المرشحين الأخيرين الاثنين للعقل السياسي التقليدي أي بين الرئيس ماكرون المترشح لتجديد البيعة لنفسه وبين منافسته اليمينية المتطرفة الشعبوية مارين لوبان أعطى الناخبون أغلبية للرئيس ماكرون رغم اتهامه على مدى السنوات الخمس لعهدته الأولى بالميول الليبرالية القصوى لأنه قادم من منظومة الرأسمالية القديمة الغربية والتي تنحدر منها زوجته لعلاقاتها الأسرية بعائلة (روتشيلد) ورغم كون اليسار الفرنسي يتهمه بانتهاج سياسات معادية للطبقات الكادحة (من ذلك مظاهرات السترات الصفراء) ورغم كل هذه السلبيات في تقييم المواطن الفرنسي فقد فضله الفرنسيون على اليمين العنصري وبوأه لتقليده الخمس سنوات القادمة. لكن المواطن الفرنسي العادي يدرك أن تلك الاتهامات حقيقية ويخاف لو تفاقمت الخيارات الليبرالية أن يفقد مكاسبه وحقوقه ومن أجل ذلك يريد أن تعدل السلطة التشريعية من مخاطر الرأسمالية وصوت الناس بكثرة لمنافسه الأول في التشريعيات وهو اليساري غير التقليدي والخطيب المتكلم بسلاسة ووضوح وشعبية وهو السيد (جون لوك ميلنشون) الذي نجح في تأليف حلف يساري قوي دون شقوق إما سيفوز بأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة الاجتماعية الديمقراطية (طريقة التعايش المنصوص عليها في الدستور الفرنسي ما بين حكومة منبثقة من الأغلبية البرلمانية وبين رئيس جمهورية يصبح محدود الصلاحيات مبتور الجناحين) وإما سيصبح اليسار قوة أغلبية في البرلمان وهو ما سيغير من سياسات اليمين الجمهوري خاصة نحو العداء للمسلمين الفرنسيين (الإسلاموفوبيا) أو الاتجاه الفرنسي نحو الولاء للولايات المتحدة واتباع تعليماتها في الشأن الأوكراني والأطلسي! وهنا نذكر بأن صحيفة (عربي 21) حللت النتائج كما يلي: "أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية التي شهدتها فرنسا يوم الأحد الماضى تقدمًا طفيفًا لحزب الرئيس ماكرون (النهضة)، إذ حصل على 25.7% من أصوات الناخبين، في حين حصل حزب «الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد» بزعامة «جان لوك ميلنشون» على 25.6% من الأصوات، في تقاسم واضح للصدارة. وقد حل حزب اليمين المتطرف «التجمع الوطني» الذى تقوده مارين لوبان ثالثا، وحصل على 18.7% من الأصوات، وحل حزب الجمهوريين رابعا بعد أن تصدر الحياة السياسية الفرنسية لما يقرب من نصف قرن، وحصل على 10.4% من أصوات الناخبين. أما حزب «إعادة الغزو» (في أقصى اليمين المتطرف) بزعامة إريك زامور، فلم يتجاوز عتبة الـ4% من الأصوات، وفشل في التأهل إلى جولة الإعادة بعد أن حل ثالثا وراء مرشح حزب «النهضة» الحاكم وحزب «التجمع الوطني». واللافت أن زامور نال مع بداية صعوده العام الماضي بريقا كبيرا سرعان ما خفت مع انتخابات الرئاسة التي حل فيها رابعًا، بعد أن اكتشف قطاع واسع من الفرنسيين أن كثيرًا مما يقوله فج ومتطرف وغير قابل للتطبيق، وأن إساءاته غير قابلة للإصلاح، خاصة أنها طالت دين الإسلام الذي يعتنقه 6 ملايين فرنسي، فيصبح التجاوز هنا لا يتعلق بمهاجرين غير شرعيين أو مسلمين متطرفين، إنما لعقيدة ودين لا يمكن تغييره، ولا يمكن طرد معتنقيه من فرنسا لأن أغلبهم أصبحوا مواطنين فرنسيين. ومن هنا فإن أهمية وميزة الحملات الانتخابية أنها كاشفة، وكثيرًا ما ترفع مرشحًا وتدفعه للأمام، أو تعود به للخلف كما حدث مع زامور. وعرفت الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية مقاطعة قياسية، بلغت 52.80%، وهي أكبر نسبة عرفتها فرنسا منذ عقود، فالانتخابات التشريعية التي جرت في 2017 عرفت نسبة مقاطعة قدرت بـ51.30%، في حين شهدت انتخابات 2012 مقاطعة 42.78% من الناخبين. التحليلات التي خرجت من فرنسا حول أسباب المقاطعة كثيرة، أبرزها: إحساس قطاع واسع من الفرنسيين بعدم جدوى المشاركة في الانتخابات، خاصة أن مشكلاتهم الرئيسية لم تستطع الأحزاب حلها، مثل تراجع القوة الشرائية (أعطاها 53% من الفرنسيين الأولوية)، كما اعتبر 35% من الفرنسيين النظام الصحي من ضمن أولويات مشكلاتهم، وجاءت الهجرة في مرتبة تالية بنسبة 22%. يقينًا، جولة الإعادة التي جرت أمس الأحد ستكون حاسمة، والمتوقع أن يتصدر حزب النهضة الذي يقوده الرئيس الفرنسي هذه الانتخابات، ولكنه لن يستطيع أن يؤمن الأغلبية المطلقة التي حصل عليها في انتخابات 2017. بما يعني أن فرنسا قد تشهد ما يُعرف بـ«التعايش» بين رئيس جمهورية من توجه سياسي معين ورئيس حكومة من توجه مخالف، كما جرى في 1988 بين رئيس الجمهورية الاشتراكي فرانسوا ميتران ورئيس حكومته الديجولي جاك شيراك، وهذه المرة ستكون البلاد في وضع اقتصادي وسياسي أصعب بكثير مما سبق.