17 سبتمبر 2025

تسجيل

حصار لا مقاطعة: القانون الدولي يحسم!

20 يونيو 2017

القرارات المتسرعة في السياسة الدولية تؤدي دائما إلى نتائج عكسية، لأنها لم تصدر عن روية ولا عن درء مفاسد وجلب مصالح، بل أملتها ردود أفعال مرتجلة لا يمكن تبريرها، فوقع المحظور. ونتذكر ما آلت إليه حصارات انتقامية لجزيرة كوبا عام 1961، ثم حصارات متتالية للعراق وإيران وليبيا والسودان، ورام الله في عهد ياسر عرفات، ثم قطاع غزة إلى اليوم، فهي قرارات ثبت من بعدُ أنها لم تغير واقعا صعبا أو تثن دولة عما تعتقد أنه من حقها، ثم إن كل من يحاصر يتحول مع الزمن إلى محاصر، والذي يحدث عادة هو اضمحلال عزيمة من أعلن الحصار وعودة المسالك التجارية والمنفعية إلى سالف نشاطها بعد مرورها بمرحلة الالتواء على القرارات (تذكروا تهريب البترول أثناء حصار العراق وليبيا وأثناء الحرب على داعش)، لأن للعلاقات الاقتصادية الدولية نواميس ومصالح ثابتة. وحين نتأمل القانون الدولي نجد أن لإعلان الحصار على دولة ما يجب أن يعلن وتعلن أسبابه ودواعيه، وأن يحظى بموافقة مجلس الأمن الذي وحده مؤهل لإضفاء الشرعية الدولية على أي قرار من هذا النوع. وحين نذكر بهذه الحقائق فإننا نشير إلى ما قررته بعض الدول لحصار يضرب على دولة قطر. المقاطعة المعلنة مجرد تغطية لإجراء اعتباطي (بالنظر إلى عدد الدول التي تورطت فيه، واختلاف كامل لأهدافها وبعد بعضها الشاسع عن لاعبي الأزمة)، مما قلب الموازين تماما واصطفاف الأغلبية الكبرى من الرأي العام العربي والدولي إلى جانب الحق. وتعاملت الدولة القطرية مع الحصار تعاملا دبلوماسيا مثيرا للتقدير العالمي حين عبرت عن تمسكها بسيادتها على خياراتها مع تفهم لهواجس جيرانها وأشقائها والاستعداد لحوار جدي وهادئ حول كل نقاط الخلاف. وسيعرف الجميع بعد أن تنقشع السحب العابرة، أن الخليج مجتمع واحد متماسك وأسرة أصيلة قد يعتريها بعض الاختلاف، لكنها بفضل نسيجها المجتمعي وتشابك قبائلها ومصاهرات أهلها لا بد أن تتجاوز الأزمة الراهنة كما تجاوزت التي قبلها، وسيبقى الدخلاء عالقين على الهامش خارج التأثير متحسرين على التسرع وحب التشفي وتوخي الفرية. وإذا أخضعنا الحصار المضروب على دولة قطر لمنطق القانون الدولي، أدركنا أنه يتنافى من دون أي ريب مع البند الثاني بالفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة الملزم لجميع الأعضاء، حيث ينص على أن استعمال القوة في زمن السلم ممنوع، وعلى كافة الدول الأعضاء الامتناع عن فرض واقع بالقوة. ويشكل الحصار (كما قال د. عبد المؤمن بن صغير أستاذ القانون في الجزائر) أحد أبرز وأخطر مظاهر استعمال القوة ضد دولة من الدول. يقول د. هيثم موسى أستاذ القانون الدولي بجامعة القدس، "إن الحصار تعريفا هو المقاطعة والحبس والتضييق والإكراه، ويهدف من يلجأ إليه للضغط على الطرف الآخر لإكراهه وإجباره على القيام بعمل أو الامتناع عنه عموما لمصلحة الطرف الأول القائم بعملية الحصار. ويختلف مضمون الحصار وماهيته باختلاف محتواه والأدوات المستخدمة فيه، فنجد الحصار الاقتصادي والسياسي والإعلامي والعسكري". هذا التعريف الأكاديمي للحصار يؤكد أن ما تقوم به دول معينة ضد دولة قطر هو أساسا وبوضوح تام من هذا الصنف، حتى لو تعمدت بعض الدول تغطيته بمصطلح المقاطعة الدبلوماسية التي ضبطتها معاهدة فيينا للأعراف الدبلوماسية لسنة 1961، والمقاطعة بحسب هذه المعاهدة هي سحب السفراء وتعليق العلاقات الدبلوماسية مع ضمان سلامة الدبلوماسيين واستمرار العلاقات القنصلية عن طريق تكليف دولة أخرى بمتابعة ورعاية مصالح الدولة، وذلك تحسبا وتمهيدا لعودة المياه إلى مجاريها كما يقع عادة في حالة التوصل إلى حلول سياسية سلمية في كنف احترام القانون الدولي والمعاهدات الدولية. أما د. خليل حسن أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية، فيجرم تماما ممارسة الحصار، مؤكدًا أنه يشكل عدوانا من دون مبرر أممي، وهو جريمة دولية تستحق العقاب الدولي، ويكتب في (ميدل إيست): "الحصار يعتبر عملا من الأعمال الحربية التي يقصد منها إجبار دولة ما على الرضوخ لإرادة دولة أخرى، ويمكن أن ينفذ الحصار بوجوه عدة بحرا وجوا وبرا، بهدف قطع طرق الاتصال الخارجي أو إدخال الحاجات والمؤن لزيادة الضغوط على الدولة والتسليم عنوة بما تطالب به الدولة التي تقوم بالحصار. وقد نظمت اتفاقية لاهاي للعام 1907 قانون الحرب ومنها أعمال الحصار". نتبين من هذه المعطيات أن ما يسلط على دولة قطر لا علاقة له بقطع عادي للعلاقات الدبلوماسية مع الأمل الكبير والصادق بأن الموقف المشرف الذي واجهت به القيادة القطرية هذا الوضع الطارئ يشكل عاملا حاسما لحل المعضلات في نطاق الأسرة الخليجية الواحدة مع تعاطف متنام من أغلب شرائح المجتمع الخليجي والعربي والدولي.