13 سبتمبر 2025

تسجيل

الخطاب الإسلامي (3)

20 يونيو 2017

قلنا إن الكلمة هي بداية الخلق وبها بدأ الله تعالى، فقد خلق الكون بكلمة (كُنْ) وخلق آدم بيده تشريفاً له حتى يحترم الكلمة ويحملها، فالكلمة إيمان أو كفر، بناء أو هدم، شرف أو حتف، سلم أو حرب، محبة أو عداوة، طيبة تفوح شذاها بالمسك والعنبر، أو خبيثة تزكم منها الأنوف، وفاء، أو خيانة، رحمة أو عذاب...، فالكلمة هي الأمانة التي عرضت: (عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا) لخطورتها ومسؤوليتها. ونواصل هنا في الحديث لاستكمال أهم مواصفات الخطاب الاسلامي:(5) أن يراعى فيه آداب الحوار والاختلاف من حيث اختيار الأسلوب الأجمل ، والكلمات الحسنى ، والمنظمة الراقية ، ومن حيث الصدق والاخلاص ، وطلب الحق ، واحترام الطرف الآخر ، والبدء بما هو المتفق عليه للانطلاق إلى ما هو المختلف فيه بسلاسة وود ، ومحاولة للاقناع بالأدلة الواضحة والابتعاد عن العنف ، والجدل السقيم ، والسخرية والاستهزاء والاستعلاء ، فقد قال تعالى لرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء المشركين الجاهليين: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) فلننظر كيف أن القرآن الكريم لم يحكم بأن المقابل على الباطل - مع أنه على الباطل- وإنما ترك للآخر مجالاً واسعاً للبحث عن الحقيقة ، والسعي لاقناع الطرف الأول (أي الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه) فقال : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) وهذه الحكمة تدفع الطرف الآخر أن يدخل في الحلبة آملاً كسب الجولة ، في حين لو قيل له : إنك لعلى ضلالة ، لامتنع عن الدخول في الحوار ، ثم إن الله تعالى لم يكتف بما سبق بل طلب من رسوله هذا الكلام (قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا) بوصف آخر لا يثير أي إثارة أو اشمئزاز فقال : (وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) فسبحان الله هل رأيتم حواراً بلغ هذا الرقي في أي كتاب ديني سوى القرآن الكريم ؟(6) أن يجعل الجانب الإنساني وحقوقه ، للبحث عن حل لهموم الناس ومشاكلهم ، ولا يعيش في الماضي المجرد دون الربط بالحضر ، ولا يعيش في أبراج عاجية وإنما ينزل إلى عامة الناس ، فهذا أدعى للقبول ، فالإسلام شفاء وهذا يعني علاج الأمراض المادية والمعنوية وهو رحمة وهدى للعالمين.فالجانب الإنساني في الإسلام في غاية من الأهمية ، فالمركز والهدف من إنزال الكتب ، وإرسال الرسل هو الإنسان ، ولذلك تكرر في القرآن الكريم لفظ الإنسان 63 مرة ، والناس240 مرة ، وآدم مفرداً أو مع لفظي (بني) 31 مرة ، وأن القرآن الكريم نزل إسعاد الإنسان وهدايته للصراط المستقيم ولسعادة الدنيا والآخرة.لذلك يجب أن يكون الخطاب الإسلامي مهتماً بالإنسان بنفسه وداخله (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) ، وتصرفاته وتصوراته ، وبحقوقه وواجباته ، وبسعادته وشقائه .