30 أكتوبر 2025
تسجيلإن هدي الإسلام الحنيف يعلمنا أنه من أسباب لين القلوب القاسية إطعام المساكين والمسح على رأس اليتيم، لما في ذلك من إثارة الرحمة في القلب القاسي حين تذكر اليتم والفقر وما تستدعيه حالهما من الرحمة والحنان ، فهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم بين فضل الإنفاق والتصدق في سبيل الله وثماره وآثاره وأن الصدقة لا تنقص المال، بل تزيده بما يحصل فيه من بركة الإنفاق والعطاء، فالعفو و الصفح و المسامحة مرتقى عال لا يستطيع بلوغه إلا الذين انفتحت مغاليق قلوبهم لهدي الإسلام وانفعلت نفوسهم بأخلاقه السمحة، فآثروا ما عند الله من مغفرة وثواب وتكريم على ما هجست به النفوس من حب الدنيا والمال ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأفضلية للبيت الذي فيه يتيم يحسن إليه، والشر والشؤم لمن أساء إلى يتيم لئلا يتذمر كفلاءُ الأيتام والأسر التي ابتليت بهم، بل جعلهم مجال تنافس وسباق حتى يرى المجتمع أنهم مصدر خير وبر وسعادة بدل أن يكونوا عالة أو ثقلاء، ولم يقف الأمر على الدنيا، ولكن رتب على ذلك العمل وتلك الرحمة الرفقةَ له صلى الله عليه وسلم في الجنة.وقد عرف المجتمع الإسلامي رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأيتام، من حاله ومقاله، وأن الضعفاء أولى اهتماماته صلى الله عليه وسلم، فكانوا يقصدونه بهم رغبة في الدعاء والمواساة لشدة ما يجده من رحمة وعطف وإحساس، ولا شك أن اليتيم وهو الذي لم يزل في عالم الطفولة والذي يأنس بالملاعبة والحنان، سيأنس جدا بمثل هذه المسحة الحانية وهذا التلطف الأبوي ، وسيجد بذلك من يعوضه عن أبيه في مثل ذلك الأنس الذي فقده إياه ، وما كان سينال ذلك لولا هذا التوجيه النبوي العظيم الذي يجعل كل المسلمين أبا حنونا على اليتيم ،فإن الإسلام قد وسع دائرة الخير ليلجها كل مسلم ففتح له أبواب هذه المشاركة فجعل كل عمل نافع يقوم به صدقة له يثاب عليها كما يثاب الغني على إنفاقه فكل معروف صدقة ،وبذلك ضمن مشاركة جميع الأفراد في بناء المجتمع وخدمته وتحسينه،والمسلم وهو صائم كثير العطاء لأن يستثمر أيام رمضان المباركة في كل خير،فهو صاحب الأيادي الندية التي تنفق من عطاء الله تعالى كالمياه العذبة تنساب على الأرض العطشى لتعود الحياة إليها وتزهر وردا لتغدو طاقة وسعادة بعطاءات مباركة على بيوت اغتمت بدموع حارقة لفقدان الراعي والمعيل لتحول نفوس ساكنيها إلى طمأنينة، بوركت تلك الأيادي البيضاء التي امتدت إليها وأنارت ظلمتها وزرعت فيها ابتسامة يشرق منها نهار يمتلئ بالأمل لجني ثمار فردوس ربنا الدائمة فالمسلم الحق كريم مهما كان فقيرا و مهما كان عطاؤه قليلا يأمره الإسلام أن تنبجس في نفسه عاطفة الرحمة بمن هو أفقر منه ،و يحس ما يعانيه غيره من ألم و حرمان و من أجل ذلك جاءت النصوص تحض المسلمين على الإنفاق من طيب ما يملكون كل منهم حسب استطاعته ،لتبقى نفوسهم ممتلئة بنداوة المشاركة الوجدانية لإخوانهم ،ووعد الله هؤلاء المنفقين على عطائهم باستثمار صداقتهم وتنميتها حتى تصبح كالطود الشامخ ،لكي لا تنغلق النفوس وتحتجب عن المشاركة الوجدانية في المجتمع ولكيلا لا تجف ينابيع الخير والرحمة والتعاطف فيها بل كذلك في إشعارهم بالحنان والمحبة وإدخال الأنس في قلوبهم الذي كانوا يألفونه من آبائهم حتى لا يشعروا بفقد الأب الحاني لوجود من يعوضهم عن حنوه وعطفه وبره.