30 أكتوبر 2025

تسجيل

إيران وأمريكا

20 يونيو 2016

كشفت وثائق سرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية نشرتها" بي بي سي" تزامنًا مع الذكرى 27 لوفاة "الخوميني"، عن محادثات سرية جرت بين مؤسس الجمهورية الإيرانية والإدارة الأمريكية قبيل تسلمه إدارة البلاد في العام 1979 بعد إطاحة حكم الشاه "رضا بهلوي". وأشارت تلك الوثائق إلى تعهد "الخوميني" بـ"المحافظة على مصالح واشنطن واستقرار المنطقة مقابل فسح الطريق له لتولي مسؤولية البلاد". وقد هاجم مرشد الثورة الإيرانية "على خامنئي"، في كلمة ألقاها خلال مراسم إحياء الذكرى السنوية لرحيل "الخوميني"، ظهور تلك الوثائق، مشيرًا إلى أن "الإعلام البريطاني يختلق الوثائق ضد الإمام الخوميني باستخدام وثائق أمريكا، التي لا تمتنع حتى عن استهداف طائرة ركاب". وثائق المخابرات الأمريكية لا تكشف فقط عن الاتصالات التي جرت إبان الثورة، بل قبل ذلك بكثير، حيث تشير إلى محادثات جرت بين "الخوميني" والرئيس الأمريكي "جون كينيدي" عبر تبادل رسائل سرية بعد أشهر من الإفراج عن "الخوميني" من السجن في إيران مطلع نوفمبر عام 1963، طالب خلالها بألا "يفسر هجومه اللفظي بطريقة خاطئة، لأنه يحمي المصالح الأمريكية في إيران".وتكشف الوثائق أن "الخوميني" وبعد العودة إلى إيران بعد قضاء 15 عامًا في المنفى في باريس، بعث برسالة شخصية أولى إلى البيت الأبيض يؤكد فيها رغبته في إقامة علاقة صداقة مع الولايات المتحدة، ويدعو الإدارة الأمريكية إلى عدم الشعور بخسارتها حليفًا استراتيجيًا.الوثائق الأمريكية التي تم الكشف عنها أخيرًا، لا تقدم جديدًا في علاقات "الخوميني" ونظامه بالإدارات الأمريكية المتعاقبة. فقد كشفت أحداث الثورة وما تلاها عن وجود علاقات خاصة بين "الخوميني" وواشنطن سمحت بنجاح الثورة الإيرانية وعدم استخدام القوة المسلحة ضدها، كما حدث مثلًا في ثورات الربيع العربي الحالية التي تحولت إلى حروب أهلية وانقلابات عسكرية. وقد أشارت وثائق دبلوماسية نشرها المؤرخ "أندرو سكوت" في صحيفة جارديان البريطانية منذ سنوات، إلى أن واشنطن منعت الحرس الإمبراطوري الإيراني من القيام بانقلاب عسكري سنة 1979، ما مكن "الخوميني" من الوصول إلى السلطة.فقد قامت واشنطن بإرسال مبعوثها الخاص الجنرال "روبرت هايزر"، الذي كان يشغل منصب نائب قائد القيادة الأمريكية الأوروبية، إلى طهران من أجل حث الحرس الإمبراطوري على عدم الانقلاب على حكومة الثورة. لم يتوقف التعاون بين "الخوميني" وواشنطن عند التنسيق السري، بل ظهر إلى العلن من خلال قيامه بتعيين وزراء يحملون الجنسية الأمريكية في حكومة الثورة، أبرزهم الدكتور إبراهيم يزدي، الذي تم تعيينه نائبًا لرئيس الوزراء في شؤون الثورة ومتابعتها، ثم وزيرًا للخارجية فيما بعد. وقد كان قبل الثورة يعمل مستشارًا سياسيًا "للخوميني" خلال منفاه في باريس، ومن أقرب المقربين إليه. ولم يكن يزدي هو الأمريكي الوحيد في النظام الجديد، بل كان كل من "أمير انتظام" وزير الدولة والناطق الرسمي باسمها و"دكتر جمران" وزير الدفاع، يحملان الجنسية الأمريكية.وهناك الكثير من الشواهد الأخرى التي تدل على أن الثورة الإيرانية كانت بدعم وتأييد من واشنطن، وأن "الخوميني" لم يكن إلا مجرد شاه جديد في إيران ولكن بعباءة دينية تتناسب وظروف الوضع الجديد. من هذه الشواهد الحرب الإيرانية العراقية، التي فجرها "الخوميني" بإصرار عجيب، حيث يشير المؤرخون إلى أن الحرب كانت ضمن التخطيط الأساسي لدعم إسرائيل، حيث كان الهدف منها إضعاف العراق الذي كان يعد أقوى دول المجابهة عسكريًا، بعد خروج مصر من ساحة الصراع بعد توقيعها اتفاقية السلام. ولعل المساعدات التي قدمتها واشنطن وتل أبيب لطهران في هذه الحرب لا تعد ولا تحصى، وأهمها صفقات أسلحة، التي عرفت بفضيحة إيران كونترا، التي عقدت بموجبها إدارة الرئيس الأمريكي ريجان اتفاقًا مع إيران لتزويدها بالأسلحة المتطورة.ربما من هنا يمكن أن نعرف لماذا لم تقم تل أبيب أو واشنطن بتوجيه ضربات عسكرية لطهران (كما حدث مع العراق مثلًا) طوال تلك الفترة التي شهدت هذا التحالف السري والذي كان مغلفًا بصراع علني انتهى بالاتفاق النووي العام الماضي، الذي حول هذا التحالف السري إلى تحالف علني.