18 سبتمبر 2025
تسجيللا يستطيع الإنسان أن ينزل النهر مرتين، هذا ما قيل في زمن الإغريق، وما زال كثيرون منا يكررونه ويرددونه حتى اليوم، أما برهانهم على هذا الذي يكررون ويرددون فهو يتمثل في أن مياه النهر لا تتوقف عن الجريان، ومن هنا فإن الإنسان لا يستطيع أن يستحم في نفس المياه حتى لو نزل إلى النهر من مكان محدد معروف... ولأن الزمان أمر نسبي، يبدو زمان الأرنب - بسرعته وبقصر عمره- مختلفا تماما عن زمان السلحفاة -ببطئها وبطول عمرها- ولأن الزمان أمر نسبي، فإن الأحداث التي تقع فيه هي التي تفرض علينا الإحساس بأنه يمرق بسرعة أو ينقضي ببطء. فالعاشق حين تهجره الحبيبة يشعر بطول الليل، أما حين يلتقيان بكل اشتياق، فإنه يشعر أن الوقت يمرق بسرعة، وهذا ما يؤكده شاعر الأندلس الجميل ابن زيدون في إحدى روائعه الشهيرة، قائلا: يا أخا البدر سناء وسنا حفظ الله زمانا أطلعك إن يطل بعدك ليلي فلكم بت أشكو قصر الليل معك الذين لا يخططون للزمان الآتي ولا ينظرون بالبصيرة وبالعقل إلى المستقبل، لابد أن يجرفهم طوفان الزمان في حاضرهم، حتى وإن اعتصموا منه بأعالي الجبال. فلو نظرنا – على سبيل المثال - إلى تاريخ الصراع الطويل بيننا نحن العرب وبين الكيان الذي زرع في جسد الأمة العربية منذ 15 مايو عام 1948، فإننا نجد أن الصهاينة كانوا يخططون للزمان الآتي، ثم ينفذون كل ما خططوا له بدقة وإحكام، أما نحن فقد كنا ننتظر ما يحدث، فلا تصدر منا إلا ردود أفعال غاضبة سرعان ما تتلاشى عندما نواجه حدثا آخر جديدا، ينسينا ما حدث ويجعلنا نندفع لإغراق أنفسنا في دوامة جديدة من الانفعالات الجوفاء، التي نغرق فيها مع كل فعل معاد لنا. نحن دائما نتعامل مع الأحداث لا بالأفعال، وإنما بردود الأفعال، وهذا ما يجعل كل حركة من جانبنا تبدو حركة مرتبكة، وحين نشعر بالارتباك نتجمد في أماكننا، كأن الشلل قد داهمنا فجأة، لكننا مع هذا نظل نعزي أنفسنا أو نبرر عجزنا بالقول إن الأمور ستتحسن في القريب، دون أن نبادر إلى العمل المثمر الخلاق الذي يتيح لمثل هذا التحسن أن يكون واقعا ملموسا ومحسوسا! ما أعرفه أن الزمان لا ينتظر أحدا، فهو يتحرك بكل عنفوان، وقد يبدو من سرعة حركته أنه بمثابة الطوفان الجامح الذي يجرف في طريقه كل ما يعترضه ومن يعترضه. ومن البديهي والمنطقي أن الزمان لا ينتظر أن يصحو النائمون من رقادهم حتى يتحركوا معه، فالناجون من الطوفان هم وحدهم الذين يهيئون أنفسهم بقدراتهم لملاقاته ومواجهته. أظن أن علينا أن نسأل أنفسنا: هل حركتنا مع الزمان – الطوفان مثل حركة الأرنب في سرعته، أم مثل حركة السلحفاة في بطئها؟ وعلينا أن نمتلك شجاعة الفعل، لا أن ننتظر الفعل المعادي ثم نقوم برد فعل مضاد، قد يكون عاتبا أو غاضبا أو يائسا، ولكي نمتلك شجاعة الفعل، أتصور أنه من الضروري والحتمي أن نخطط للزمان الآتي.. للمستقبل.. هذا ما أتمناه، وهو ما يدعوني لأن أصرخ بأعلى ما أستطيع: علينا أن نخطط من الآن.. فالطوفان قادم، وهو لا يرحم المرتبكين الشاكين أو الباكين!