11 سبتمبر 2025

تسجيل

روح التغيير في الخارجية المصرية

20 يونيو 2011

العربي بحكم منطلقاته الفكرية وخبرته تبنى توجهات حادة تجاه إسرائيل ثمة من يعتقد أن السياسة الخارجية لمصر قد تتعرض لبعض التغيير في التوجهات بعد مغادرة الدكتور نبيل العربي لمنصبه الحالي إلى منصبه الجديد أمينا عاما للجامعة العربية بداية من الخميس المقبل وذلك انطلاقا من أن وزير الخارجية الجديد قد لا يحمل روح التغيير والرغبة في رسم ملامح مغايرة للدبلوماسية المصرية التي يحملها رجل مثل العربي صاحب الخبرة الطويلة على الصعيدين الدبلوماسي والقانوني فضلا عن رؤية واضحة لدور مصر القومي والأقليمي ليس من منظور متعال وإنما وفق محددات التعاون والشراكة والتأثير في الأحداث والتطورات صناعة وفعلا عوضا عن تبني منهجية رد الفعل التي كانت سائدة على مدى ثلاثين عاما وربما قبل ذلك بسنوات والملاحظ أن الدبلوماسية المصرية خلال الأشهر القليلة المنصرمة التي تولى فيها العربي رئاستها حققت جملة من التحولات التي أعادتها إلى تفعيل الدوائر الرئيسة التي تشكل مجالا حيويا لها منذ الحقبة الناصرية التي توهج فيها الدور المصري وتمثل ذلك بدرجة رئيسة في الدائرة العربية ثم الإفريقية وعلى نحو ما الدائرة الإسلامية متكئة في ذلك على المنجز الأساس المتمثل في نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير التي رغم عدم تبنيها شعارات واضحة ومحددة على الصعيد الخارجي والعربي إلا أنها كانت تحمل ضمنيا دعوة إلى تغيير مضمون ومحددات وأهداف السياسة الخارجية التي تأثرت من دون شك بحالة التردي والترهل التي أصابت الداخل على نحو عجز معه النظام السابق على أن يكون رقما مهما في المعادلة الإقليمية بل إنه في بعض المراحل والسنوات الأخيرة تحول إلى مجرد منفذ لسياسات الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية خاصة على صعيد القضية الفلسطينية وبات دوره يتمثل في القيام بوساطة بين السلطة الوطنية في رام الله وحكومة الكيان واتهم بالتواطؤ معها في عدوانها على قطاع غزة في نهاية 2008 وبداية 2009 ولو توقفنا عند بعض الإشارات على التحولات التي طالت الدبلوماسية المصرية خلال الأشهر التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير يمكن رصد التالي: أولا: تحقيق اختراق لبعض العلاقات المتأزمة مع أطراف عربية سواء أكان ذلك على نحو علني أو مسكوت عنه مثلما حدث مع السودان بشقيه الشمالي والجنوبي متجليا ذلك في القيام بزيارة على مستوى رفيع قام بها رئيس الوزراء المصري عصام شرف بصحبة العربي وعدد من أصحاب الحقائب الوزارية المعنية لكل من الخرطوم وجوبا الأمر الذي أسهم في تهدئة الخواطر واستعادة عافية العلاقات مع هذا الجار الجنوبي الشديد الأهمية على صعيد الأمن القومي لمصر وكذلك على صعيد تلبية بعض الاحتياجات التنموية المهمة لها ثانيا: السعي إلى تأمين الحدود الشرقية لمصر والمتمثلة في فلسطين وذلك من خلال تهيئة ظروف ومناخات أكثر حيوية لاستعادة فعل المصالحة الوطنية بين الفصائل والتنظيمات التي ظلت في حالة خصومة وفي بعض المراحل عداء مستحكم وفي صدارتها حركتا فتح وحماس الأمر الذي انتهى إلى التوقيع على اتفاق المصالحة والملاحق الجديدة التي أنهت أسباب الاحتقان الداخلي وأحدثت معادلة جديدة في المشهد الفلسطيني دفعته لمنطقة القوة خاصة فيما يتعلق بمواجهة الاستحقاقات المرتقبة مع حكومة بنيامين نيتانياهو التي أخذت تتحرك وفق منطق رد الفعل بعد أن باغتتها التحولات المصرية التي وصلت ذروتها إلى فتح معبر رفح بشكل دائم على نحو يوفر منفذا أمام فلسطينيي قطاع غزة من شأنه أن يكسر حدة القيود والحصار الصهيوني وذلك بعد أن ظلت مصر في دائرة الاتهام بالتواطؤ في المساهمة في استمرار هذا الحصار على مدى العامين والنصف الماضيين ثالثا: إحداث مقاربة عربية بداية من منطقة الخليج عبر ترتيب جولة لرئيس الوزراء المصري إلى ثلاث من دول مجلس التعاون هي السعودية والكويت وقطر خلال شهر مايو الماضي ومشاركته فيها وهى الجولة التي أكدت حضور الرقم المصري في معادلة الاستقرار الإقليمي في المنطقة بعد أن ظل غائبا أو مغيبا وفق محددات الدور القومي المصري التقليدي وإن كان قائما على نحو ملتبس أدى في بعض الأحيان إلى نشوب تناقضات مع بعض دول المنطقة مثل قطر التي كشفت وثائق ويكيلكس أن وزير الخارجية السابق أحمد أبو الغيط يخطط ويعمل وبتعليمات من مبارك شخصيا على إجهاض تحركاتها خلال ترؤسها للقمة العربية والتي بدأت في مارس 2009 حتى ولو كانت تصب في مصلحة مصر وقد حرص كل من شرف والعربي خلال هذه الجولة على إبراز المساندة القوية لأمن دول مجلس التعاون بحسبانه يمثل جزءا من الأمن القومي لمصر وأنه بمثابة خط أحمر لا تقبل مصر تجاوزه على أي نحو وهو ما أكده العربي بنفس المعنى تقريبا في حديث تلفزيوني قبل أيام رابعا: في المقابل تمكن العربي من تحريك المياه الآسنة في العلاقات المصرية الإيرانية على نحو ينقل هذه العلاقات من دائرة العداء إلى دائرة العلاقات الطبيعية في سياق ما وصفه بعد توليه منصب الخارجية بأيام بفتح صفحة جديدة مع جميع الدول المجاورة منها والبعيدة بشرط ألا تتدخل أية دولة في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى وهو ما أدى إلى ارتفاع أصوات في المنطقة مبدية مخاوفها من هذا التوجه الجديد للدبلوماسية المصرية من أن يكون خصما من رصيد علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي تحديدا وتعرض العربي لبعض الانتقادات من بعض الكتاب المصريين والخليجيين ولكن التصريحات المصرية المتكررة الخاصة بأمن الخليج ردت المنتقدين على أعقابهم وفي المقابل فإنها بددت مخاوف بعض الدوائر الخليجية وقد سألت في هذا السياق مسؤولا خليجيا هو الشيخ فواز محمد آل خليفة رئيس هيئة الإعلام بمملكة البحرين وأكثر دول المنطقة التي تتعرض لضغوط إيران خلال زيارته الأخيرة للقاهرة عن قراءته لهذا التوجه في علاقات مصر بإيران فأبدى رؤية عقلانية واقعية مؤكداً فيها أن بلاده وكل دول مجلس التعاون لا تشعر بالقلق من التقارب المصري الإيراني بل تراه شأنا داخليا ومن قبل عبر الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري عن تصور إيجابي لهذا التقارب عندما سئل عن موقف بلاده منه خلال زيارة رئيس الوزراء المصري للدوحة فأشار إلى أنه يراه عنصرا داعما لأمن واستقرار الخليج خامسا: استعادة الحركة النشطة تجاه إفريقيا وبالذات دول حوض النيل التي تأزمت علاقاتها مع مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة على نحو كاد أن يؤثر على حصة مصر من مياه النيل وتمثلت هذه الحركة في جولة إفريقية بعدد من دول الحوض المؤثرة انتهت بالتوافق على إعادة النظر في الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل بعد أن كادت أغلب هذه الدول توقع عليها وهو ما كان سوف يعطيها صلاحية السريان رغم الإرادة المصرية والأهم من ذلك أن إثيوبيا قدمت كل الأوراق والدراسات الخاصة بمشروع سد الألفية التي تزمع بناءه على النيل في أراضيها مما خفف من درجة الاحتقان التي سادت العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا في السنوات الأخيرة من حكم مبارك الذي كان هو ورموز نظامه يتعالون على القادة الأفارقة وفق ما كشف عنه محمود أبو زيد وزير الموارد والري المصري السابق سادسا: شهد عهد العربي تفعيل ما أطلق عليه الدبلوماسية الشعبية وهي مجموعات من الناشطين السياسيين ومن ممثلي بعض الأحزاب والجماعات المصرية المدنية للتحرك باتجاه مناطق الأزمات مع مصر وقد حققت نجاحات طيبة في زيارات قامت بها لكل من أوغندا وإثيوبيا مهدت فيما بعد لجولة شرف التي تلتها بأيام قليلة ثم أعقبتها بزيارة لطهران في مطلع الشهر الحالي حملت تباشير جديدة في العلاقات المصرية الإيرانية رغم قضية الدبلوماسي الإيراني الذي اتهم بالتجسس في القاهرة والتي تجاوزها الطرفان سريعا. في ضوء هذه المعطيات يمكن القول إن توجهات السياسة الخارجية لن تتأثر سلبا أو يقل منسوبها مع غياب الدكتور نبيل العربي عن وزارة الخارجية في ظل حقيقة مؤداها أن صناعة ملامح السياسة الخارجية ليست مسؤولية الوزير فحسب وإنما هي صناعة مشتركة لمؤسسات عدة من بينها أجهزة الأمن القومي وقبل ذلك المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يشكل السلطة العليا في البلاد والذي اختار العربي ورسم بالتوافق معه هذه الملامح ومجلس الوزراء الذي جاء رئيسه من ميدان التحرير مرتكز ثورة الخامس والعشرين من يناير بدليل أن خطوة التوقيع على اتفاقية المصالحة الفلسطينية أشرف عليها جهاز المخابرات العامة وما زال هو القابض على الملف الفلسطيني لأهميته على هذا الصعيد وبالتالي فإنه ليس من المتوقع أن يطرأ أي تغيير على التوجهات الخارجية ولكن بالتأكيد ستكون للوزير الجديد بصماته الشخصية على أسلوب التنفيذ وذلك أمر بديهي فالعربي بحكم منطلقاته الفكرية وخبرته الشديدة الاتساع جعلته يتبنى توجهاته الجديدة ربما على نحو حاد تجاه الكيان الصهيوني وهو ما تجلى في رفضه مقابلة سفيره بالقاهرة على خلفية قضية الجاسوس الذي اعتقل مؤخرا وأوكل هذه المهمة للدبلوماسي المسؤول عن إدارة إسرائيل بالخارجية وتصريحاته التي اتسمت بالقوة في مواجهة مواقف حكومة بنيامين المتطرفة ودعوته إلى عقد مؤتمر دولي للسلام لإنهاء الصراع وليس مجرد إدارته عبر آلية المفاوضات التي أثبتت عدم جدواها خلال العقدين الأخيرين بل حققت مكتسبات للكيان على حساب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ولاشك أن الوزير الجديد سيقابله إرث إيجابي ورصيد قوى سيمكنه من الارتكاز عليه ولن يكون مطلوبا منه سوى متابعة الملفات التي فتحها العربي والمبادرة بفتح ملفاته الخاصة التي تشكل قيمة مضافة للدبلوماسية المصرية التي لم يعد منطق رد الفعل ملبيا لحاجاتها بل ستكون مبادرة بالفعل والإسهام في صناعة الأحداث وتوجيهها على النحو الذي يحقق المصالح الوطنية والقومية لمصر التي غابت طويلا عن أجندتها في العقود الثلاثة الأخيرة. السطر الأخير: ارتميت بمسافاتك باحثا عن خضرة حقولك فكوني الحنطة المشتهاة الياقوت الذي يسكن قلبي أريحينى [email protected]