13 سبتمبر 2025
تسجيلعلق وفد الحكومة اليمنية مشاركته في مشاورات الكويت بعد أن تيقن وتأكد معه المجتمع الدولي أو على الأقل بعض أطرافه غير الممالئة أن الحوثيين وحليفهم لم يأتوا من أجل السلام بل من أجل القضاء على الاعتراف الدولي بالحكومة الشرعية المتمركزة في الرياض وشرعنة الانقلاب الذي لم يكن على شخص الرئيس عبد ربه منصور هادي وحسب بل كان انقلابا على الدولة وثقافتها بكل ما تحمله من دستور ومؤسسات وسلطات تنفيذية، وبعد نحو شهر من المراوغة والعبث خرج رئيس الوفد الحكومي ووزير الخارجية عبدالملك المخلافي بنتيجة مفادها أن المشاورات تتقدم ولكن بخطوات إلى الوراء وأن المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد يحاول تجميل الصورة السوداوية بأن الأزمة اقتربت من الحلول الحاسمة في حين لم يوافق الحوثيون بشكل واضح على أي مرجعية للتفاوض خصوصا القرار 2216 الذي رضخوا لبنوده قبل أن يحلوا في الكويت. أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح يبذل شخصيا جهودا حثيثة ومقدرة لإعادة المنسحبين من طاولة التفاوض، فكما تدخل لإعادة الحوثيين هاهو يتدخل للمرة الثانية لإعادة الوفد الحكومي ويقابل المبعوث الأممي ويحضه على إيجاد حل لتحقيق السلام المنشود الذي يحفظ لليمن أمنه واستقراره ووحدته التي تتهددها رياح هوجاء قد تحيل أعمدة الوحدة إلى أعجاز نخل خاوية. لكن الوفد الحكومي لا يزال يهدد بالانسحاب بالكامل ما لم يقدم المتمردون تعهدًا مكتوبًا يضمن التزامهم بمرجعيات التفاوض خصوصا قرار مجلس الأمن 2216 الذي ينص على انسحابهم من المدن التي سيطروا عليها وتسليم السلاح الثقيل الذي يجب أن يكون حصرا بيد الدولة.لا أدري حقيقة لماذا تجتهد المنظمة الأممية ومبعوثها ولد الشيخ بتحويل الوضع غير السوي في ظل الانقلاب إلى وضع سوي بحيث تبدو كما لو أنها تؤسس لشرعية دولية جديدة تجعل الانقلاب على سلطات الدولة حق من حقوق أي أقلية مذهبية أو عرقية أوطائفية، ولا أدري لماذا تحاول أكبر منظمة دولية الالتفاف على قرارات أهم مؤسساتها الردعية وهو مجلس الأمن إذ يحاول ولد الشيخ أحمد إيجاد توافق من نوع ما يعطل مضامين أهم قرارين صدرا بحق من بعثروا السلام وشتتوا الشعب اليمني وحولوا أكثر من عشرين مليون إلى فقراء يبحثون عما يسد الرمق، قد نتفهم الدور الدبلوماسي ومقتضيات المساعي الحميدة ولكن لا نتفهم تلك الروح الحانية على مصالح الحوثيين وحليفهم وكأنهم هم الجهة التي تسمع وتطيع وتلتزم بكل القرارات والتوجيهات ولم يبق سوى الوفد الحكومي الذي عليه أن يقدم كل التنازلات وتمارس بحقه ضغوطات من أجل الموافقة على تشكيل حكومة توافقية ينكث غزلها بعد توقيع جميع الأطراف، لتبدأ حكاية جديدة ولكن من دون شرعية وبدون رأس، وهذا هو الحل الحاسم عند من يريدون جر اليمن إلى المجهول.في تاريخ الحركات المتمردة محطات يجب التوقف عندها والتعلم منها، فهذه حركة نمور التاميل خاضت حربا طويلة ضد الحكومة الشرعية في سيرلانكا ورغم التوقيع على اتفاق سلام في تايلاند عام 2002 لكن السلام الحقيقي الذي تجسد في البلاد جاء بعد قضاء الحكومة على قائد الحركة وتصفية المتمردين في العام 2009، ويبدو للأسف أن السلام لن يصنع في الكويت لأنه في الوقت الذي يجلس فيه المتفاوضون بين أربعة جدران فإن الآلة العسكرية للحوثيين وحليفهم تسيطر على ما تبقى من معسكرات الدولة المحايدة كما حدث مع معسكر لواء العمالقة ونهب كل أسلحته المتطورة، وتسفك هذه الآلة المجنونة دماء اليمنيين في تعز والبيضاء ومأرب بل وصل الحال إلى أن يرفض وفدا الحوثيين وصالح العملية العسكرية التي طردت تنظيم القاعدة من محافظة حضرموت وقد كان هذا الموقف صادما للذين كانوا يعتقدون بأن اتهام الرئيس المخلوع بدعم تنظيم القاعدة وتفريخ الجماعات المتطرفة محض افتراء.تسير الأمور بشكل تراجيدي في اليمن كلما تأخر حسم الأمور إذ يقول رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر أن الميليشيا نهبت نحو ثلاثة مليار دولار من البنك المركزي لدعم مجهودها الحربي الأمر الذي أدى إلى انهيار الريال وما سيتبع ذلك من مآسٍ كارثية، هناك من يقول بأن سياسة يجري اتباعها تتمثل في إضعاف الموقف الأخلاقي لدول التحالف العربي لأنها في الأخير المسؤولة عن دعم الاقتصاد، وفي هذه الحالة تكون الميليشيات قد استولت على حاجتها من المال الذي يمكنها من أن تكون رقما مهما وثلثا معطلا في أي تسوية، وهنا يقف اليمنيون بين خيارين لا ثالث لهما إما إنجاز أهداف عاصفة الحزم وإعادة الأمل كما تعهدت بذلك قوات التحالف العربي أو أن يستعدوا لأهوال حرب منسية.