12 سبتمبر 2025

تسجيل

المعذَّبون الجدد فى الأرض

20 أبريل 2015

ثمة رواية بهذا الاسم للمفكر والأديب والكاتب الراحل الدكتور طه حسين ,جسدت مبكرا نزوعه الإنسانى من خلال تناوله لمكابدات نفر من أبناء الشعب فى الحقبة الليبرالية التي سبقت ثورة الثالث والعشرين من يوليو من العام 1952والتى ما فتئت أصوات تتغنى بمباهجها وتعتبرها الحقبة الأهم في تاريخ المحروسة في حين أنها كانت زاخرة بالآلام والمخاضات التي عبرت عنها رواية المعذبون في الأرض وغيرها من أعمال لكتاب ومبدعين فضلا عن تجليات الواقع التي كانت تشير إلى أن 5ر2 في المائة من السكان يمتلكون الثروة والسلطة في حين أن أغلبية الشعب تعاني الجوع والعراء والأمراض فضلا عن الجهل , بيد أن ثورة يوليو أنهت نسبيا هذه المكابدات وأدخلت المحروسة في منحى يعلى من البعد الاجتماعي , ويؤكد الانحياز للأغلبية حتى على الرغم مما يراه البعض من عدم تطبيق الديمقراطية بمحدداتها الغربية, ومع ذلك نجحت الثورة في تطبيق حقيقي لما يكمن وصفه بالديمقراطية الاجتماعية .يكاد هذا المنحى يأخذني بعيدا عن "المعذبين الجدد في الأرض" ,وأقصد بهم الأسرى الفلسطينيين ,بمناسبة يوم الأسير والذي وافق يوم الجمعة الفائت , وألقى بقدر من الضوء على مكابدات وعذابات وآلام أكثر من ستة آلاف و500 فلسطيني قابعين في سجون الاحتلال الصهيوني ,ويتعرضون لأسوأ الممارسات قمعا في التاريخ الإنساني , من دون أن يمتلك أحد القدرة على ردع قادة الكيان, ووضع حدود لتجاوزاتهم التي تمددت شططا وعدوانية في كل اتجاه, خاصة من قبل التنظيم الدولي القائم متجسدا في مجلس الأمن الدولي ,والذي لم يتحرك على الرغم من كافة التقارير الفلسطينية والعربية والإقليمية, فضلا عن تلك التي تقدمها منظمات متخصصة ليوقف عذابات هؤلاء الأسرى .ولديَّ جملة من الملاحظات في هذا الشأنأولاها :إن قضية الأسرى ,على الرغم من وجود هيئة ووزارة مستقلة لمتابعة شؤونهم لدى السلطة الوطنية, فإن دورها يظل قاصرا لأنها تفتقرإلى الإسناد العربي بالدرجة الأولى , والمتمثل في تقديم المساعدات المالية , لتكون أكثر قدرة على التحرك النشط وتوفير متطلبات أهالي الأسرى والقيام بأعباء مرحلة ما بعد الإفراج عن الأسرى ,فضلا عن الدفاع عنهم أمام القضاء الصهيوني الذي ثبت تواطؤه مع النخبة السياسية والعسكرية الحاكمة ,والتي تلتزم بأكثر الأفكار تطرفا وغلوا مما جعلها في حالة عداء مستحكم لكل ماهو عربي وفلسطيني وهو ما ينعكس بوضوح على أوضاع الأسرى الفلسطينيين والذين يزاملهم بالمناسبة أسرى من دول عربية أخرى , صحيح أن المؤتمر الدولي للأسرى والمحررين الذي عقد في بغداد 2012 بتنظيم من قبل الجامعة العربية بالتنسيق مع الحكومة العراقية أصدر قرارا بإنشاء الصندوق العربي لدعم الأسرى الفلسطينيين والعرب وتأهيل المحررين منهم والذي تبناه القادة العرب في قمتهم بالدوحة عام 2013 , إلا أن المبالغ التي دفعت لهذا الصندوق غير كافية بالمرة وهى لم تتجاوز بضعة ملايين من الدولارات ,ولعل ذلك يعكس حالة النكوص العربي العام في الالتزام بالاستحقاقات , التي يقرها القادة العرب بالذات ,فيما يتعلق بالتعاطي المالي مع القضية الفلسطينية , والتي لاتبلغ مطلقا المستوى المطلوب, إلا من بعض دول عربية ما زالت تحرص على الوفاء بهذه الاستحقاقات , وفي مقدمتها قطر والسعودية والكويت والإمارات والجزائر , الأمر الذي بات يتطلب وقف هذه المنهجية السائدة ,والتحرك ليس لدعم قضية الأسرى ,وإنما للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة تداعيات سياسة الحصار المالي, التي تمارسها النخبة الحاكمة الموغلة في تطرفها بقيادة بنيامين نتنياهو ,والتي من المتوقع أن تشهد المزيد من التفاقم عندما يعود ليقود الحكومة المقبلة ,مع تكونها من عتاة التطرف والمستوطنين والدمويين الصهاينة . ثانيا : إن الاهتمام بدفتر أحوال الأسرى وذويهم لاينبغي أن يكون موسميا أو عبر المناسبات ,ولكن يتعين أن يتجذر في الواقع الفلسطيني والعربي اليومي ,على نحو يقض من مضاجع قادة الكيان ويحرك بعضا من عقلائه, إن كان لديه عقلاء ,ليصحو ضميرهم الإنساني وذلك يتطلب تحركا فلسطينيا وعربيا يوميا على الصعيد السياسي والإعلامي , لإحداث هزة في الضمير العالمي ,الذي يراه المرء مجمدا وغير فاعل , باتجاه كل مايتعلق بفلسطين وشعبها وبالطبع أسراها, فليس ثمة هذا الكم من الأسرى من شعب محتل لدى السلطة المحتلة بل والمغتصبة نراه في أي بقعة أخرى من العالم , فهل يعكس ذلك خوفا من الكيان الصهيوني وما يمثله من نفوذ أو بالأحرى الرعب لمن يناهضه أو يعادى مايطلق عليه السامية؟ أم يعد قصورا في الفهم والتعاطي السياسي من دول تفخر بانتمائها للحضارة الحديثة, لكنها تبدي عجزا غير مبرر تجاه كل ما يتعلق بمعاقبة الكيان على كل تجاوزاته ضد الفلسطينيين وضد العرب عموما, لدرجة أن دولة كبرى مثل الولايات المتحدة ,والتي توصف بأنها القطب الأوحد في النظام العالمي الراهن , تضع الفيتو دوما في جيب من يمثلها في الأمم المتحدة لاستخدامه في أي لحظة لحماية الكيان من أي قرار يقدم لمجلس الأمن ينطوي على أي محاولة للنيل منه , أو يحقق بعضا من المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني , بينما يراها قادة الكيان خصما من رصيده الوجودي والقوي والمهيمن في المنطقة . ثالثا : وفي ضوء ذلك فإن المجتمع الدولي بهيئاته ومؤسساته ذات العلاقة,بات مطالبا - وفق منظور قطاع فلسطين والأراضي المحتلة بالجامعة العربية الذي يرأسه السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد للجامعة – بالضغط على الكيان الصهيوني للكف عن ممارساته القمعية تجاه الأسرى الفلسطينيين في السجون من عزل وإبعاد وتعذيب، وإلزامه باحترام حقوقهم الإنسانية الأساسية وتنفيذ بنود القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة وقرارات الشرعية الدولية وذلك من خلال المسارعة ، بقيام مجلس الأمن بإرسال لجان تقصي حقائق للاطلاع عن كثب على الأوضاع اللا إنسانية التي تشهدها سجون الاحتلال من معاناة قاسية ومستمرة , خاصة في ظل الحقائق التي تؤكد ممارسة سلطات الاحتلال لأقسى وسائل التعذيب الجسدية والنفسية ضد الأسرى المنتشرين في 22 سجنا ومركز اعتقال , فضلا عن الإهمال الطبي المتعمد للمرضى منهم لكسر إرادتهم وصمودهم ومنهم النساء والشيوخ، والأطفال الذين تتم معظم عمليات اعتقالهم في ساعات متأخرة من الليل وبصورة وحشية لبث الرعب في قلوبهم لانتزاع اعترافات منهم، وعند نقلهم إلى مركز شرطة يتم الاعتداء عليهم في مراكز الاعتقال ويتركون ساعات طويلة في البرد وهم مقيدو الأيدي والأرجل ومعصوبو العينين، كما أصبحت أوضاع الأسرى المرضى في سجون الاحتلال مقلقة وخطيرة جعلت حياة معظمهم مهددة ؛ نتيجة إهمال متعمد من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدف قتلهم بصورة بطيئة، ويعاني ما يقرب من 1500 أسير مريض 85 منهم في حالة خطيرة لإصابتهم بأمراض السرطان والأمراض المستعصية والشلل والإعاقة وغيرها , وتنتهج سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة الاعتقال الإداري لأبناء الشعب الفلسطيني والذي يتمثل باعتقال دون محاكمة يتم تجديده ليصل لعدة سنوات، وهناك ما يقرب من 480 معتقلا إداريا، إضافة إلى اعتقال 16 نائبا ووزيرين سابقين في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات الموقعة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي برعاية دولية، وتعتبر إسرائيل (السلطة القائمة بالاحتلال) الوحيدة في العالم التي تنتهج هذا الأسلوب دون محاسبة دولية.