12 سبتمبر 2025
تسجيلقبل أكثر من 30 سنة نشرت مقالا بإحدى صحف تلك الدولة العربية الكبيرة. كان عنوانه «لماذا نحن مسلمون؟». تحدثت فيه عما يجب أن نفعله بوصفنا مسلمين. اليوم أكتب متسائلا بحزن وأسى: هل نحن مسلمون؟ أو لنقل: هل نحن مسلمون حقا؟ فالواضح أننا لم ننفذ المطلوب. ثلاثون عاما بات واضحا خلالها أننا في واد وما يجب أن نفعله في واد. لكنها ثلاثون عاما أوضحت وأكدت أننا، نحن الشعوب، نعرف المطلوب منا ونعرف المطلوب لإنجازه،،، لكن هناك شيئا يمنعنا. فنحن لا نجهل العلاج، ولا نرفضه.. ولكننا محرومون منه! وأقصد بـ»نحن» الأجيال التي نجت، نسبيا، من «محرقة» مسح العقول التي تتم تحت وابل طوفان «الميديا» والفيسبوك والتيك توك ومثيلاتهما، أما الأجيال الجديدة فيبدو أنه تم «تغيير إعداداتها». ثلاثون عاما انكشف فيها القناع عن حقيقة مؤلمة هي أننا أصبحنا أمة الغثاء، أمة الزبد، أمة الهباء، أمة الوهن، أو شيئا من هذا القبيل. وضع خلالها «المستعمر العالمي» لمساته، شبه النهائية، على صورة الأمة التي يريدها هو وليس نحن، ضمن عملية «صناعة الكفر» التي أشرت إليها سابقا. فحال الأمة قبل 30 سنة، لم يكن بالتأكيد جيدا، ولكن حالها اليوم بالقطع أسوأ بكثير؛ فقد باتت على حافة الهاوية. وليس بعيدا عن حديثنا حول فكرة التغييب المتعمد لعقولنا نحن البشر عامة، وليس لأمة بعينها، نتأمل اليوم حال أمتنا، التي باتت تنطبق عليها الصفات سالفة الذكر، كنتيجة لهذا التغييب. فمصائب الأمة تراكمت وتفاقمت، وبات لنا في كل بلد وفي كل أرض مأساة تُعد. وما ذلك إلا لأن الأمة مريضة، سجينة، تعرف علاجها وخلاصها ولكنها محرومة ممنوعة منه، بالضبط كالمساجين السياسيين في سجون المجرمين الذين يُحرمون من العلاج، تحت مسمى الإهمال الطبي. بل لقد وصلت الأمة إلى مرحلة «الموت الإكلينيكي» كما يقال طبيا، فلا هي ميتة ولا هي حية. صارت مثل جسد ممدد ينتظر رصاصة الرحمة أو سكين الجزار لتطلق أنفاسها الأخيرة. ولكن إلى متى، وإلى أين؟ إلى متى، والسجان يهدم كل محاولة للفرار من سجنه وأسواره قبل أن تنضج! وإلى أين، و»الوطن» كله محاصر! أما رأينا زهور الربيع العربي كلها تُقتطف وتداس واحدة تلو الأخرى قبل أن تُخرج ثمارها ويفوح عطرها بنسائم الحرية الحقيقية! فعلى امتداد الوطن الكبير هناك سجن بحدود وهمية وأسلاك شائكة للأمة بأسرها وبين كل دولة وأختها، وهناك سجون بأسوار وأسلاك شائكة للأفراد، وهناك سجون بلا أسوار ولا أسلاك شائكة ولكنها سجون فكرية تعتقل فيها الفكرة قبل أن تصبح حركة، هذا إن لم توأد قبل ولادتها، أو بعدها مباشرة. لقد أصبحنا منذ عقود طويلة أمة ممنوعة من الصرف، ولا محل لها من الإعراب. ورغم أن كثيرين، من شيوخ ومفكرين، تناولوا فكرة أننا بتنا أمة الغثاء على مدار تلك العقود، فإن محنة غزة المستمرة منذ أكثر من خمسة أشهر، أظهرت الصورة المؤسفة لحال الأمة، ووضعت جسدها فوق خشبة المسرح أمام الجميع، ليتفرج ويرى، ويعرف حقيقة الكارثة. فمذابح المسلمين، غربا وشرقا، خلال تلك السنوات الثلاثين، لم تكن كافية لتسليط الضوء بما يكفي على جسد الأمة المعد للذبح. بل إن مأساة غزة نفسها لم توقظنا نحن العرب، قلب الأمة، بما يكفي لكي نتعامل مع الموقف بما يستحقه. فقد جعلنا التغييب غافلين عن كل الأشياء التي تضرنا وأيضا عن كل الأشياء التي تُصلحنا. لقد أصبحنا نعيش هكذا، كالقطيع، كل مشغول بنفسه وحاله. وما ذاك إلا لأن العقل الجمعي العربي المسلم، ضُرب في مقتل منذ أزمان سحيقة. ولأن هذا العقل صارت تتحكم فيه طبقات ومؤسسات محكومة بدورها من قبل عدوها، حتى وصل بنا التغييب إلى أن بتنا لا ننتمي فكريا إلى ديننا الإسلامي الذي يحض على رفض الخنوع والخضوع والذل والخرافة. وبعدما بات المتصدرون للمسألة الدينية يتبنون فقها ليس له علاقة بهذا الدين. من ذلك مثلا ما أسميه «فقه الهزيمة»، بعدما أصبحت الفتاوى تفصل لإبقاء الوضع على ما هو عليه، وتقنين التخلف والضعف والفقر، وهو ما انتقده كثيرا إمامنا الراحل الشيخ محمد الغزالي، ووصف من يقفون وراءه بالمضللين. (وفي فقه الهزيمة تفصيل كبير ربما نعود له لاحقا).