19 سبتمبر 2025

تسجيل

الاستعداد لاستقبال شهر رمضان

20 مارس 2023

أيام قليلة تفصلنا عن شهر رمضان المبارك، خير شهور العام، الذي طالما اشتقنا إلى روحانيَّاته الجميلة وقيام ليله وصيام نهاره. ولأجل هذه المكانة العالية التي يحتلها رمضان في قلوب المسلمين، كان له كذلك استعداد خاص ومميز. فينبغي أن نستعد لاستقبال رمضان بقلوب صافية ونفوس مفعمة بالحيوية والنشاط. ولعل أفضل ما يهيئ المسلم لاستقبال رمضان: التوبة الصادقة والإنابة إلى الله تعالى، فتجديد التوبة باب كل خير، وفيه نجاة المسلم وفلاحه وسعادته في الدنيا والآخرة. قال تعالى: «وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (النور: من الآية 31). ولا شك أن التوبة واجبة في كل الأوقات ويوميًّا كما علَّمنا رسولنا الكريم - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فعن الأَغَرِّ بن يسار - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – أنه قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إليهِ مِائَة مَرَّة» (رواه مسلم). ولأنَّ أمر التوبة عظيم، فكان الأحرى والأجدر تجديدها قبل مواسم الطاعات لنهيئ أنفسنا للطاعات والعبادات، ومع قدوم هذا الشهر العظيم نُسارع إلى التوبة من كل خطأ أو تقصير ومن الذنوب صغيرها وكبيرها، ومحاسبة النفس وحصر ما لها وما عليها والتحلُّل من المظالم والحقوق التي بين المسلم وبين غيره من الناس، فيستقبل شهر رمضان بقلب مطمئن ونفس نقية، فيوفقه الله تعالى لأداء العبادات والطاعات. ثم يلي التوبة في الاستعداد لرمضان الدعاء والتضرع إلى الله بأن يبلغنا رمضان هذا العام ويكتبنا من الصائمين القائمين، فقد كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر بعدها أن يتقبل منهم. فينبغي لنا الإلحاح في الدعاء إلى الله تعالى أن يبارك في أعمارنا على طاعته حتى ندرك شهر رمضان ونحن في عافية وخير وصلاح وتقوى ومرضاة منه سبحانه، وأن يهدي قلوبنا إلى الطريق المستقيم ويرزقنا صلاح النية ونقاء السريرة وملازمة خشيته ومراقبته في السر والعلن، ثم ندعوه تعالى أن يعيننا على فريضة الصيام ويوفقنا للإكثار من الطاعات والعبادات، كما ندعوه أن يكتب لنا قبول الأعمال. ومن أجمل الاستعدادات لاستقبال رمضان: انتشار مظاهر الفرح والاحتفال بحلول هذا الشهر الكريم، وهذا الأمر نلاحظه ولله الحمد في أسواقنا وشوارعنا وحاراتنا وبيوتنا، وهذا مما يبعث البهجة في القلوب ويظهر مدى محبتنا واعتزازنا بشعار ديننا الحنيف. قال الله تعالى: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» (يونس: 58). فينبغي إظهار الفرح بقدوم رمضان؛ لأن مجرد بلوغ المسلم شهر رمضان يعد نعمة في حد ذاته ينبغي شكر الله عليها؛ لأن رمضان من مواسم الخير الغالية على قلوبنا ولا يأتينا إلا كل عام؛ فهو شهر القرآن الذي تثقل فيه موازين العباد فتُفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران، ويكثر فيه العتق من النار. ومن أهم الاستعدادات لاستقبال رمضان: تعلم فقه الصيام وفضل رمضان وتميُّزه عن غيره من الشهور، فيساعد العلم النافع والقراءة الجيدة المسلم على التفريق بين أحكام الصيام وواجباته ومكروهاته وما ينبغي للمسلم القيام به حتى يكون صيامه تامًّا وأجره كاملًا. كل هذه الأمور يجب على المسلم تعلُّمها لأنها من أسس هذا الدين وبها تتحسن عبادته ويُضاعف أجره. كما ينبغي التنبيه على الإسراع بقضاء الصوم الواجب إبراءً للذمة قبل دخول رمضان، وقد كانت أمنا عائشة - رضي الله عنها - تقضي في شعبان؛ فعَنْ أَبِي سَلَمَة أنه قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رَضِي اللهُ عَنْهَا - تَقُولُ: «كَان يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ» (رواه البخاري ومسلم). ثم نأتي إلى أهم الاستعدادات، ألا وهي تنظيم الوقت قبل رمضان بشكل يُمكِّن المسلم من إنهاء معظم الأعمال الدنيويَّة قبل رمضان وتفريغ معظم وقته لاستغلال هذا الشهر الكريم والانشغال بالعبادة في غالب وقته من الليل والنهار؛ فتنظيم الوقت أمر مهم للمسلم في سائر عمره، لا سيَّما في رمضان. فعن ابن عباس - رضي الله عنهما – أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل وهو يَعِظُه: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناءَكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَراغَكَ قبلَ شُغلِكَ، وحياتَكَ قبلَ موتِكَ» (أخرجه الحاكم في المستدرك). فبادِر إلى تنظيم وقتك قبل رمضان، وضع جدولًا زمنيًّا تُنهي فيه بعض الأعمال لتكون لديك مساحة كبيرة من الوقت للعبادة والطاعة في رمضان، ثم ليكُن لبيتك وأهلك نصيب من الاستعداد لاستقبال رمضان، فلتراجع علاقتك بأرحامك ولتسارع بإنهاء الشحناء والخصومات إن وُجدت، وتصفية النفوس ومعاودة الوصل والود والمحبة فيما بينكم. فبادر إلى استثمار وقتك في شهر رمضان، وأعط أهل بيتك بعض الوقت للترتيب لرمضان والاستعداد له من كل الجوانب، سواء متطلبات المنزل أو أوقات العمل أو الدراسة، كما يجب الحرص على الجلسات التربوية في المنزل لرب الأسرة التي يوضح فيها اهتمامه بهذه الفريضة العظيمة والتعريف بكل ما يخص شهر رمضان من مميزات وواجبات وطاعات ومناسبات لا تتكرر إلا في رمضان، وكذلك توضيح ما ينبغي لنا فعله في رمضان، فكل ذلك من جملة المسؤوليَّة والرعاية التي كُلفت بها أيها المسلم تجاه من تعول ليصلح الله لك النفس والأهل والذرية ويكتب لك أجر صالح أعمالهم إلى يوم القيامة. دعاء: نسأل الله تعالى أن يبلغنا رمضان ونحن في خير وعافية وأفضل حال، وأن يجعل رمضان هذا العام بداية موفقة لكل مسلم ومسلمة، وأن يكتبنا فيه من الصائمين القائمين إيماناً واحتساباً.. يا رب العالمين.