19 سبتمبر 2025

تسجيل

ثوابت المجتمع ورياح التغيير

20 مارس 2011

تتعرض المجتمعات العربية لرياح التغيير، لتقلب رأسا على عقب كل الثوابت المستقرة في أذهان الناس، وهي ثوابت ليست بالضرورة دينية، بل قد تكون قناعات مكتسبة توارثتها الأجيال لتأخذ صفة الثوابت، وتكتسب قدسية لدى بعض فئات المجتمع.. تكاد تقترب من قدسية الثوابت الدينية، ومع أن هذه الثوابت ليست كلها مما يصح الحفاظ عليها، ما دامت غير محصنة بمصادر التشريع الديني، فان زحزحة المجتمع عن بعض قناعاته السائدة تصبح من الأمور الصعبة، وهي تحتاج إلى رياح عاتية تقتلع جذورها من أساسها، لتقود إلى التغيير، وهو تغيير ليس بالضرورة في المجال السياسي وما قد تسبقه من أحداث، ولكنه التغيير الذي يشمل أمورا كثيرة لن يكون أولها ولا آخرها التغيير السياسي، ولأن النتائج مرتبطة بأسبابها فقد يكون التغيير في أي مجال من المجالات التي تستدعي هذا التغيير لمواكبة الحراك التنموي الناشط في المجالات الأخرى. ولكل مجتمع ثوابته التي لا يمكن أن يتخلى عنها بسهولة، حتى تلك الثوابت التي تجره إلى الخلف، فإنه في حالات كثيرة يرفض التخلي عنها، ربما خوفا مما قد يجلبه التخلي عنها من إفرازات لا يقبلها كل أفراد المجتمع، ويصبح التخلي عنها نوعا من المغامرة المجهولة العواقب، وهذا ما تتبناه عادة الأجيال التقليدية من كبار السن، بينما الشباب بروحه المغامرة والمتمردة لن يتردد في الإقبال على هذا النوع من التغيير، حتى وإن أدى ذلك إلى تجاوز الكثير من القناعات القارة في إذهان الناس، والتي أخذت صفة الثوابت دون أن تكون من ثوابت العقيدة، الراسخة والمستوحاة من مصادر التشريع المعروفة. والمجتمعات الحديثة، تهب عليها رياح التغيير من كل جانب، وهي رياح حبلى بالوعود المستقبلية المغرية بتجاوز الواقع إلى ما هو أفضل وأكثر استجابة لمتطلبات التنمية، لكن التغيير لا يعني التخلي عن الثوابت العقدية، التي قد تحمل في مضمونها الحث على التغيير الإيجابي المؤدي إلى تطور وازدهار المجتمع، وانحيازه للخير والعدالة الاجتماعية، وتأكيده على حق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة، ضمن عقد اجتماعي بين الدولة والمواطن، تتضمنه قوانين وأنظمة هذه الدولة. ولأن رياح التغيير في بلادنا العربية هبت من مصدر الحراك الشعبي باتجاه الإصلاح، فإن هذا الحراك كان ثمنه غاليا، لأنه يبدأ سلميا ثم يتحول إلى مجابهة حادة بين الشعب والسلطة، وهي مجابهة غير متكافئة يذهب ضحيتها الأبرياء عندما تسيل فيها الدماء، صحيح أن دوافعها تتركز في الإصلاح لتحسين مستوى معيشة المواطنين من خلال مطالبتهم بحقوقهم، وهذا ما يضمن لهم الفوز في النهاية لأن إرادة الشعوب لا تقهر، لكن هذه المجابهة إذا تغذت من جهات خارجية تناصب العداء لكل ما هو عربي، فإن مصيرها الفشل، لأنها لا تخدم عامة المواطنين، ولكنها تخدم فئات معينة كونت من نفسها طابورا خامسا لخدمة جهات خارجية مشبوهة، وهي في سبيل ذلك لن تتردد في التغرير بالبسطاء، ودفعهم للتضحية حتى بأنفسهم، للوصول إلى أهداف لا تراعي مصالح المواطنين بقد ما تراعي مصالح تلك الجهات الخارجية، حتى وإن نسفت كل ثوابت المجتمع، وزلزلت أركانه بما ينجم عنها من فواجع لا تقتصر على تدمير المنجز الوطني ولكنها قد تصل إلى المواطن نفسه، عندما يتعرض للقتل أو الإصابة بالأسلحة المستخدمة في مصادمات يتحمل خسائرها المواطنون و(تجير) مكاسبها لغير المواطنين، فتجني على ثوابت المجتمع وقناعات أفراده.. عندما تواجههم الأحداث بما هو ليس في الحسبان. [email protected]