17 سبتمبر 2025

تسجيل

نفائس الشعر العربي

20 فبراير 2015

في الأدب العربي تتلألأ دررٌ وتضيء نجوم، فالبلاغة وروعة التعبير وجمال الكلمة والحكمة والفلسفة والإيمان بالله والرضا بالقدر والوفاء والحنين والحماسة وغيرها، من قيم سامية ومعان عظيمة، تنبعث بالرغم من مرور القرون الطويلة والسنين التي لاحصر لها من هذه القصائد والأشعار، لتهز مشاعرنا وتوقظ عقولنا وتنعش نفوسنا، فهذا النابغة الذبياني يتجلى لنا من ظلمة الجاهلية بحكمته ورجاحة فكره ونظرته الثاقبة وجزالته في وصف حالات البشر ومشاعر الحب والوجد والشوق وهو القائل: مَنْ يطلب الدّهرُ تُدرِكْهُ مخالبُهُ والدّهرُ بالوِترِ ناجٍ غيرُ مطلوبِما من أناسٍ ذوي مجدٍ ومكرمةٍ إلاّ يشدّ عليهم شدةَ الذيبِحتى يبيدَ على عمدٍ سراتهمُ بالنافذاتِ منَ النبلِ المصاييبِإني وجدتُ سِهامَ الموتِ مُعرِضَةً بكلّ حتفٍ من الآجالِ مكتوبِ كما اتسمت أشعار زهير بن أبي سلمى بالحكمة والرصانة والأخلاق السامية التي كان يتصف بها الشاعر الجاهلي، وهو القائل:منْ يلقَ يوماً على عِلاّته هرماً يلقَ السماحةَ منه والنّدى خلقَا بعد أن امتد به العمر حتى بلغ التسعين وهو القائل أيضاً:سئمتُ تكاليفَ الحياة ومَنْ يعِش ثمانينَ حولاً لا أبا لكَ، يسأَمِ ويتجلى لنا من العصور الإسلامية شعراء أبدعوا في الوصف والتعبير وفي الدفاع عن رسالة التوحيد والإيمان وفي المدح والهجاء والغزل والحب والوفاء والرثاء.ومنهم الشاعر الفرزدق الذي يتميز شعره بقوة الأسلوب والجودة الشعرية وقد برع في المدح والفخر والهجاء والوصف، وعن الفرزدق يقول أهل اللغة: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث العربية.أما جرير الذي ارتبط مع الفرزدق بعلاقة صداقة بالرغم من إنهما كانا يهجوان بعضهما لأربعين عاماً، وشكلا ظاهرة فريدة في الشعر العربي، فكان شعره يتميز باللفظ الجزل، ومتانة النسج، وحلاوة العبارة، والجرس الموسيقي المؤثر، وخاصة في غزله حيث العاطفة الصادقة التي تضج بالألم والرقة والصدق.وقد رثى جرير زوجته بقصيدة تعد أعظم المراثي العربية:لولا الحياء لهاجني استــعبارُ ولزرت قبركِ والحـبيبُ يزارُولقد نظرتُ وما تمتعُ نظــرةٌ في اللحدِ حيث تمكنُ المحفارُ وقد قال اعرابي عن جرير في مجلس الخليفة عبد الملك بن مروان: بيوت الشعر اربع؛ مدح وفخر وغزل وهجاء، وفي كلها غلب جرير.أما أبو تمام الشاعر الذي عاش في العصر العباسي وتميز بمذهب شعري مميز قام على الجمع بين العقل والوجدان، ليبدع أبو تمام قصائد من أروع ما قيل في الشعر العربي.وكذلك البحتري الذي اختلق له منهجاً خاصاً في وصف الطبيعة والتغزل بجمالها، ويقوم منهجه على اختيار التفاصيل الطريفة المحسوسة لتأليف لوحات متناسقة تضج بالحياة والحركة والموسيقى الرائعة.أما أبو الطيب المتنبي الذي يعد أعظم شعراء العرب بلا منافس، وأكثرهم تمكناً باللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تتح مثلها لغيره من شعراء العربية، فيوصف بأنه نادرة زمانه وأعجوبة عصره، وقد ظل شعره إلى يومنا هذا مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء، وهو شاعر حكيم أنشد أشعاراً تملؤها الحكمة والفلسفة، وهو صاحب الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة. وقد ترك المتنبي تراثاً عظيماً من الشعر القوي، يضم 326 قصيدة، تمثل عنواناً لسيرة حياته، وقد صور فيها الحياة في القرن الرابع الهجري أوضح تصوير، فهو يتحدث عما عصف في عصره من ثورات واضطرابات وما انتشر من مذاهب وآراء، وقد تجلت القوة والجزالة في معاني شعره وألفاظه وعباراته الرائعة.وهذا رهين المحبسين الذي لم يمنعه محبساه (العمى والبيت) من أن يكون فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة، أبو العلاء المعري، الذي لم يؤثر فقط في الأدب العربي وإنما في الأدب العالمي، فشياطين دانتي اليغييري المطلة من جحيمه وقديسوه الخارجين من جنته؛ ماهم إلا شخصيات أبو العلاء المعري المنبعثين من رسالة الغفران، فمن ديوانه سقط الزند الى اللزوميات ولزوم ما لا يلزم، ثم رسالة الغفران ثم فقرات وفترات أو فصول وغايات، تتجلى الحكمة والعبقرية في أروع صورها وأجمل معانيها.