13 أكتوبر 2025
تسجيلصور لا تفارق الذاكرة وتتحدى النسيان، تملأ النفس تارةً بالحزن والألم، وتارة أخرى بالرجاء والأمل، صور نجحت في اقتناص لحظات خاصة من الزمن ومنحتها الخلود والبقاء، فللصور تأثيرٌ يتجاوز تأثير آلاف الكلمات. ومن حولنا صور كثيرة تحمل قدرة هائلة على مخاطبة النفوس البشرية، بل إنها قد تتجاوز التأثير العاطفي والوجداني ليصل تأثيرها إلى إمكانية التغيير الشامل لقرارات وسياسات دول. مثل تلك الصورة الشهيرة لمجموعة من الأطفال الفيتناميين وبينهم الطفلة (كيم فوك) ذات التسع سنوات التي اُلتقطت لها وهي تجري عارية وتصرخ من آلام الحروق التي أصابت جسدها كله إثر إلقاء القوات الأمريكية قنابل النابالم الحارقة على قريتها، وكانت السبب في اتخاذ الرئيس الأمريكي نيكسون قرار الانسحاب من فيتنام، بعدما أثارت هذه الصورة وغيرها من صور مؤثرة الرأي العام الأمريكي والعالمي ضد حرب فيتنام الظالمة.وفي وطننا العربي الذي لا تنتهي مآسيه تتوالى الصور المؤثرة أمام ناظرينا بتكرار مؤلم لا تحتمله النفس البشرية مهما أوتيت من قوة ورباطة جأش.فصور شهداء وجرحى وضحايا الثورات والحروب تحكي كل منها قصة، ولعل من أكثرها تأثيراً صورة الطفل محمد الدرة الذي قتله جنود الاحتلال الإسرائيلي وهو في حضن والده، وصور الأطفال الشهداء والمحتضرين والجرحى والمشردين في سوريا اليوم. بالرغم من أن الصور في وطننا العربي قد تأخذ زمنا طويلاً لتحدث تغييراً ما، حيث إن تأثير الرأي العام لدينا لايزيد على التأثير العاطفي الآني الذي سرعان ما يتلاشى.ومن الصور الخالدة التي دقت ناقوس الخطر منبهةً العالم إلى مأساة بشرية منسية هي المجاعة في جنوب السودان والقرن الأفريقي، صورة الطفل المحتضر الذي يتهيأ النسر الجاثم بالقرب منه للانقضاض عليه بعد موته.والصور ليست دائماً توثيقا للمآسي البشرية، فهي أيضاً تخليد للحظات الإنجازات الكبرى والخطوات العظيمة في تاريخ الإنسانية، فصورة الكوكب الأزرق الرائع التي اُلتقطت من الفضاء الخارجي تحكي قصة تحدي الكائن العنيد لكل الحدود والإمكانات. وتأتي صور إقلاع أول طائرة في العالم حيث بدأ بارتفاع أجنحتها عالم جديد أحد ركائزه الرئيسية الطيران. وتتوالى صور الإنجازات الطبية والعلمية والفنية وصور تحدي البشر لظروف الطبيعة القاسية وللاحتلال والعنصرية وغيرها من ظروف لتقول إن لهذا الكائن المميز جانب مشرق وعظيم.فالبشر الذين تعلموا منذ فجر التاريخ كيف يخلّدون لحظاتهم الخاصة بالرسم على جدران الكهوف ثم بالرسم على جدران المباني التي شيدوها ثم لتتطور الرسومات إلى رموز وحروف ولوحات ومنحوتات، حتى توصل العالم المسلم الحسن بن الهيثم وهو في سجنه، إلى ملاحظة سلوك الضوء وإنعكاساته من خلال ثقب في جدار السجن وسقوطه على الجدار المقابل، حاملا معه صورة مقلوبة لشجرة موجودة خارج الزنزانة، هذه الملاحظات التي دونها وأضاف لها الكثير من التجارب مهدت الطريق لظهور الكاميرات، وليبدأ عصر التصوير وجعل الصور متاحة لكل شخص.المصورون الذين التقطوا مثل هذه الصور الخالدة حصل بعضهم على جوائز عالمية ونال شهرة واسعة وبعضهم تأثر بقسوة الصور التي التقطها فقضى حياته متوارياً يحمل وزر ما اقتنصته عدسته، وبعضهم أقدم على الانتحار، لكن صورهم ظلت تحكي حكايات لم يفلح الزمن في طيها ومحوها من ذاكرة البشرية.