13 سبتمبر 2025
تسجيلزادت الأحداث في مصر من حيرة وقلق المستثمرين العرب، خصوصا وأن هذه الأحداث أعقبت الأزمة المالية العالمية والتي أدت إلى تآكل الأموال العربية المستثمرة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية بسبب الانهيارات في المؤسسات المالية وتراجع قيمة الدولار وانخفاض قيمة الأصول، كالعقارات والأسهم. ورغم أن خسائر الاستثمارات العربية الناجمة عن الأزمة المصرية ما زالت محدودة، كما أنه يتوقع أن تتم استعادة جزء كبير منها في الأسابيع القليلة القادمة، وذلك بعد استقرار الأوضاع هناك، إلا أن هذه الأزمة زادت من حيرة هذه الاستثمارات، بما فيها الخليجية، وبالأخص تلك الموظفة في منطقة الشرق الأوسط غير المستقرة والتي تشير العديد من التوقعات إلى إمكانية تعرض بعض البلدان فيها إلى أزمات في الفترة القادمة. ويبدو أنه لم يعد هناك مكان آمن في العالم للاستثمارات العابرة للقارات، فالبلدان الغربية "تشفط" بين فترة وأخرى حصة مهمة من الاستثمارات الأجنبية، تارة بالتلاعب بالمشتقات والمضاربة في أسعار السلع وتارة أخرى بالإعلان عن إفلاسات وانهيارات مدعمة بقوانين وأنظمة لا تتيح للمساهم الأجنبي المطالبة بحقوقه، إلا في نطاق تصفيات الموجودات التي لا تشكل نسبة تذكر من حجم الخسائر. لقد أوجد ذلك مشكلة حقيقية للأموال العربية والتي يتوقع أن تتضاعف في السنوات القليلة القادمة، وذلك، كنتيجة لزيادة عائدات النفط وارتفاع أرباح المؤسسات العامة والخاصة بعد أن تجاوز الكثير منها تداعيات الأزمة المالية العالمية وفرغ من تغطيته للمخصصات الناجمة عن خسائره السابقة، حيث يتوقع أن ترتفع أرباح هذه المؤسسات بصورة ملحوظة في العام الجاري 2011. ومع أن الخارطة الجغرافية للاستثمارات العالمية تبدو قاتمة، إلا أنه ما زالت هناك بعض البلدان التي تتمتع باستقرار وفرص استثمارية واعدة، حيث تأتي بلدان أمريكا اللاتينية، خصوصا البرازيل وكذلك الهند وروسيا والصين في مقدمة هذه البلدان، حيث تشكل البلدان الأربعة ما يطلق عليه مجموعة "بريكس" الناشئة والتي تحقق أعلى معدلات النمو في العالم. وهناك الكثير من الدلائل التي تؤيد استمرار انتقال ثقل التجارة العالمية إلى هذه البلدان والتي تحتل في الوقت الحاضر قائمة الشركاء التجاريين للكثير من بلدان العالم، بما فيها البلدان العربية ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث يتوقع أن تحتل الصين خلال العامين القادمين المركز الأول، كأكبر مستورد للنفط السعودي بدلا من الولايات المتحدة. وإضافة إلى الاهتمام بالاستثمار في مجموعة "بريكس" فإن الأحداث العالمية المتعاقبة يفترض أن تؤدي إلى زيادة الاهتمام بالأسواق الخليجية الداخلية، بما في ذلك زيادة الاستثمارات الصناعية وضخ الأموال اللازمة لانتشال أسواق المال من محنتها باعتبارها مرآة للاقتصادات الخليجية، فالاهتمام الرسمي بأسواق المال ما زال دون المستوى المتوقع، مما يعيق تطور هذه الأسواق وزيادة فعاليتها لدعم النمو الاقتصادي في دول المجلس. أما فيما يتعلق بالسوق المصرية والتي كانت سببا مباشرا للقلبات التي حدثت في الأسابيع الثلاثة الماضية، فإن التغيرات هناك ستفتح مجالات كبيرة للمستثمرين بعد تدني أسعار الأسهم، علما بأن هناك توجهات لإعادة النظر في القوانين والتشريعات المنظمة للاستثمار لتصبح أكثر شفافية ووضوحا، مما سيمهد الطريق لزيادة الثقة في الاقتصاد المصري الذي يتمتع بإمكانات استثمارية كبيرة في العديد من المجالات. وإذا ما سارت الأمور هناك في هذا الاتجاه دون عراقيل، فإن مصر بتوجهاتها الجديدة يمكن أن تنضم إلى البلدان الناشئة التي تحقق معدلات نمو جيدة، خصوصا وأن قدراتها وثرواتها مقاربة لبلدان ناشئة أخرى حققت تقدما اقتصاديا ملفتا للنظر، كالبرازيل والأرجنتين، فمصر تتمتع بثروات طبيعية وببنية تحتية جيدة وبمصادر مياه وموارد بشرية مؤهلة وبموقع جغرافي يتيح لها لعب دور هام في التجارة الدولية. وفي هذا الصدد يمكن لرؤوس الأموال العربية أن تساهم في النقلة التنموية المتوقعة للاقتصاد المصري، باعتباره مكسبا للاقتصادات العربية التي تربطها العديد من الاتفاقيات المشتركة في نطاق جامعة الدول العربية. مثل هذه التوجهات يمكن أن تساهم في حل معضلة الحيرة التي تحيط بالاستثمارات العربية التي فقدت جزءا كبيرا من أصولها في السنوات الثلاث الماضية، مما يتطلب إعادة النظر في توجهاتها الاستثمارية لتشكل رافدا قويا لدعم التنمية وزيادة معدلات النمو في البلدان العربية.