15 سبتمبر 2025
تسجيلإلى حد اليوم ونحن في عام 2023 لم تحل عقدة العلاقات الفرنسية المغاربية وتضيع فرص للتعاون ونخسر مكاسب كان بالإمكان تعزيزها نظرا للتاريخ المشترك والعلاقات الاقتصادية بيننا وبين فرنسا. ولكن ظل الرئيس ماكرون مترددا حول مطلب شرعي من الجزائر بالاعتذار عما اقترفه الاستعمار من فظائع نعتها ماكرون نفسه بأن بعضها يصل درجة الجرائم ضد الإنسانية! وأتذكر أنه في يوم من أيام سنة 2018 (17 أكتوبر) تعرض وزير الاتصالات الجزائري في مطار (أورلي) بباريس الى عملية تفتيش لدى شرطة المطار بلغت حد التدقيق البدني من نزع الحزام والحذاء وتفتيش جيوب البدلة إلى آخر هذه الإجراءات التي اعتبرتها السلطات الجزائرية مهينة (ونحن معها)، لأن الوزير يحل في باريس في مهمة رسمية تندرج ضمن وظيفته وهو يحمل جواز سفر دبلوماسيا! وأعقب هذه الحادثة احتجاج من وزارة الخارجية الجزائرية ودعوة السفير الفرنسي للاستفسار ثم تعبير الخارجية الفرنسية طبعا عن (الأسف لوقوع هذا الحادث)!. وكما هو متعارف في الأعراف الدبلوماسية (وفي معاهدة فيانا لسنة 1961) فإن التعبير عن الأسف لا يعني تقديم (الاعتذار) وللتذكير فقد سبق أن قدمت الخارجية الفرنسية (الاعتذار الرسمي) بعد حادثة مماثلة تعرض لها وزير الخارجية بالمملكة المغربية صلاح الدين مزوار في مارس 2014 في مطار شارل ديغول وهو متجه من لاهاي الى الرباط عبر باريس! فاختلف السلوك الحكومي الفرنسي في الحادثتين رغم أنه لقائل أن يقول بأن كلا الوزيرين من بلدان مغاربية جارة وصديقة! فلماذا تعتذر فرنسا في الأولى وتعبر عن أسفها في الثانية؟. المهم اليوم هو أن حلقة جديدة أضيفت إلى سلسلة الأزمات المتعددة والمتجددة بين فرنسا والجزائر وفي الحقيقة بين فرنسا والإقليم المغاربي كله وتؤكد هذه الحلقة أن الجراح التاريخية بين ما كان يعرف بالإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية وبين مستعمراتها القديمة لم تندمل بعد بل لا تزال تنزف بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط وقد مر على استقلال الجزائر (آخر معقل للاستعمار) أكثر من ستين عاما. ولم يخطئ زملاؤنا الإعلاميون الجزائريون (وبعض نواب البرلمان) حين علقوا على الحادثة بقولهم إنها وقعت يوم 17 أكتوبر كأنما المقصود أن تحيي فرنسا بطريقتها الخاصة مجزرة يوم 17 أكتوبر 1961 في باريس حين قمعت الشرطة الباريسية بقيادة (موريس بابون المتعاطف مع النازية) مظاهرة مدنية سلمية نظمتها الجالية الجزائرية يومها للمطالبة باستقلال الجزائر فردت الشرطة ومعها مليشيات يمينية متطرفة بقتل حوالي مائتي شهيد جزائري إما برصاص الشرطة أو بإلقاء الأبرياء في نهر السين ليموتوا غرقا ثم جهز الاستعمار محتشد (سان موريس لوزاك) لسجن من ألقي عليهم القبض من الناشطين المنادين باستقلال بلادهم. فلعل إحياء هذه الذكرى الأليمة كما يقول بعض الزملاء الجزائريين هي التي جعلت الشرطة الفرنسية تهين وزيرا جزائريا بشكل لا يليق بمعاملات بين الدول ذات السيادة! وللعلم فإن هذه الممارسات تخرج عن كونها مجرد “أخطاء فردية تستدعي أسف الحكومة الفرنسية” لأنها امتداد لتيار فكري سياسي ذي نزعة عنصرية له تأثير في الطبقة السياسية والرأي العام في فرنسا وأوروبا عموما. ونذكر بأن كل الرؤساء الفرنسيين سبق أن رفضوا مطلب الدولة الجزائرية بالاعتذار عن جرائم الإبادة التي اقترفها استعمارهم (في الحقيقة استخرابهم) خلال 130 سنة في الجزائر ويكفي أن نعد جريمة الجنرال (جيرو) الذي قام سنة 1848 بإحراق غابة جبلية كاملة تحصنت فيها قبيلتان جزائريتان بالنساء والأطفال والمسنين هربا من القمع فلم ينج من القبيلتين مسلم واحد وأحرقوا عن آخرهم! ونذكر أيضا مجزرة مدينة سطيف يوم 8 مايو 1945 التي استشهد فيها حوالي 50 ألف مواطن جزائري تظاهروا ضد الظلم والتمييز العنصري ورفعوا راية بلادهم! ونذكر المجازر التي تمت منذ اندلاع الثورة الجزائرية سنة 1956 الى غاية التحرير والاستقلال سنة 1961 والمليون شهيد الذين سقوا بدمائهم الزكية أرض الجزائر وطبعا الشهداء الذين ماتوا تحت التعذيب على مدى سنوات واعترف الجلادون في مذكراتهم بأنهم قتلوهم! وليت الأمر وقف عند رفض الاعتذار بينما فرنسا تطالب تركيا بالاعتذار عما سمته مجزرة الأرمن! لأن حكومة الرئيس شيراك تقدمت بمشروع قانون للبرلمان في 28 فبراير 2005 يعيد الاعتبار لكل المعمرين (اي المستوطنين) وكل الجنود الذين حسب هذا القانون (ساهموا في إشعاع فرنسا وقوتها وازدهارها في المستعمرات التي كانوا فيها وخاصة شمال إفريقيا (تونس والجزائر والمغرب) وبلدان إفريقيا! ثم يدعو القانون أن يقع تدريس هذا الجانب "الإيجابي" من الاستعمار في المدارس الفرنسية وتأصيل هذه المبادئ لدى الناشئة!.