15 سبتمبر 2025

تسجيل

تحديات طاقة محتملة وحلول ممكنة

20 يناير 2013

في الوقت الذي يزداد فيه إنتاج الغاز الطبيعي في البلدان العربية، بحيث تحولت بعض البلدان، كقطر والجزائر إلى مزود عالمي لإمدادات الغاز، كما ارتفع الإنتاج بصورة ملحوظة في كل من دولة الإمارات والسعودية، وذلك بسبب ازدياد اعتماد العالم على الغاز الطبيعي، كمصدر نظيف للطاقة، فإن أسعار الغاز شهدت انخفاضا كبيرا خلال السنوات الخمس الماضية، إذ انخفضت أسعار العقود الآجلة من 11.5 دولار في يونيو من عام 2008 إلى 3.3 دولار فقط في الوقت الحاضر، أي بنسبة انخفاض كبيرة بلغت 71%. ويطرح هذا الانخفاض الحاد تساؤلات كثيرة حول مصير الاستثمارات الهائلة التي ضخت في هذه الصناعة وحجم العوائد المتوقعة، خصوصا وأن الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات اعتمدت في فترة الأسعار المرتفعة وقبل الأزمة المالية العالمية، أي عندما كانت مصادر التمويل متاحة بسهولة. ولاستشفاف الآفاق الخاصة باستخراج وصناعة الغاز الطبيعي، فإنه لا بد من معرفة الأسباب الكامنة وراء هذا الانخفاض والذي جاء معاكسا لأسعار النفط التي ارتفعت بصورة مماثلة واستقرت فوق 100 دولار للبرميل في السنتين الماضيتين. ومع أن الطلب على الغاز ظل مرتفعا في الأسواق العالمية، إلا أن السبب الحقيقي يكمن في الارتفاع الكبير في إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة والذي قلب ميزان الطاقة هناك وأحدث تغيرات دراماتيكية ليس في سوق الطاقة الأمريكية فحسب، وإنما في سوق الطاقة العالمية أيضا، حيث يتوقع أن تستمر الزيادة في إنتاج الغاز الصخري حتى عام 2020. لذلك، فإن أسعار الغاز سوف تبقى عند مستويات أقل من عام 2008، إلا أن تأثير ذلك على البلدان الخليجية والعربية المنتجة والمصدرة للغاز سوف يكون محدودا، فالبنسبة للبلدان المنتجة، كالإمارات والسعودية والكويت والبحرين، فإن الاستخدامات المحلية كبيرة للغاية، وبالأخص في توليد الطاقة الكهربائية وإنتاج الألمنيوم والمواد البتروكيماوية، حيث يباع الغاز بأسعار مدعومة. أما في البلدان المصدرة، كقطر والتي تعتبر مصدرا رئيسيا للغاز في العالم، فإن تأثير تراجع الأسعار يمكن التعامل معه، كما أثبتت السنوات القليلة الماضية، وذلك بفضل زيادة إنتاج النفط وارتفاع أسعاره والذي ولد فوائض مالية كبيرة هناك. وبالنظر إلى المستقبل، فإن المؤشرات تميل لصالح الغاز الطبيعي المنتج من الحقول على حساب الغاز الصخري، وذلك لاعتبارات عديدة، يأتي في مقدمتها محدودية احتياطات الغاز الصخري والتي لا تتمتع بالعمق، وذلك على عكس الاحتياطات العادية المتوفرة في البلدان العربية وروسيا وايران بصورة رئيسية. وإضافة إلى ذلك ينجم عن عملية إنتاج الغاز الصخري تبعات بيئية خطيرة، إذ يصاحب هذا النوع من الغازات إنتاج غاز الميثان الضار بالبيئة والذي يؤدي إلى عملية تسخين توازي 25 مرة عملية التسخين الناجمة عن ثاني أكسيد الكربون، مما يؤدي إلى تنامي الاحتجاجات من قبل أنصار البيئة ويؤثر بصورة كبيرة في التغيرات المناخية التي ألحقت أضرارا جسيمة بالاقتصاد العالمي. من هنا، فإن تأثيرات إنتاج الغاز الصخري سوف تستمر لسنوات معدودة سيخفف من وطأتها على البلدان المصدرة الارتفاع المستمر في الطلب على الغاز في الأسواق العالمية، إذ شهدت الأسعار بعض التحسن في الآونة الأخيرة، خصوصا وأن استخداماته متعددة، فهو مولد أساسي للتدفئة والاستخدامات المنزلية وإنتاج الطاقة الكهربائية، هذا عدا كونه مادة أولية للصناعات البتروكيماوية التي لا غنى عنها، كما أنه يستخدم، كمصدر أساسي للطاقة في العديد من الصناعات الحديثة، علما بأنه يعاد ضخه لزيادة الضغط في حقول النفط لزيادة الإنتاج، وذلك إلى جانب الانتشار السريع لاستخدامه في وسائل النقل في العديد من البلدان للحد من عملية التلوث الناجمة عن استخدامات الفحم والديزل.وفي كل الأحوال، فإن إنتاج الغاز الصخري لا يمكن أن يكون بديلا عن إنتاج الغاز الذي سيبقى مصدرا أساسيا للطاقة ذي أبعاد مستقبلية مهمة، مما يبرر الاستثمارات الكبيرة في البلدان التي تتوفر فيها احتياطيات ضخمة منه، بما فيها البلدان العربية والخليجية والتي أضحت أكثر من اي وقت مضى في حاجة لإقامة شبكة خليجية متكاملة للغاز الطبيعي، مما سيزيد من فعالية الاستثمارات ويخفض التكاليف ويضمن الإمدادات لتنمية الكثير من مشاريع التنوع الاقتصادي وتوفير فرص العمل في نطاق السوق الخليجية المشتركة.