25 سبتمبر 2025
تسجيليعتبر الأستاذ فرنسوا بورغا من أكثر الأكاديميين جدية وأمانة وهو الزميل الفرنسي المتخصص في العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب المسيحي وصاحب ال 30 كتابا متميزا في تلك العلاقات التاريخية المعقدة منذ الحروب الصليبية الى اليوم حيث رصد (بورغا) ظاهرة ما سماه إرادة طغيان الثقافة الغربية على غيرها من الثقافات ثم التحول الخطير من الاستعلاء والاستكبار إلى فرض شبه حرب حضارية على الفكر الإسلامي وتراثه القيم وانتقل الانحراف من الفكر الى السياسة فصعدت الى مواقع الحكم والنفوذ وتدحرجت كثير من الحكومات الأوروبية من اليمين الوطني المعتدل إلى ضرب من ضروب الفاشية الصريحة كما في ايطاليا حيث أصبح المواطن الإيطالي لا يستنكف من تكاثر صور (الدوتشي موسوليني) على الجدران كأنما العودة بالحنين الى عهد الفاشية العنصرية أصبح غذاء ثقاقيا لأمم بدأ مجدها في الأفول أمام تصاعد سلمي وحضاري لحركات الإسلام المتسامح المعتدل. هذا هو (فرنسوا بورغا) الذي كان ضيف حوار رفيع مع قناة الزيتونة التونسية وأدار الحوار الإعلامي الكفؤ الحسين بن عمر وكان سؤاله الأول عن رأي الأستاذ (بورغا) في مونديال 2022 بدولة قطر وجاء الجواب بتلقائية وتعمق معا فقال الأستاذ: " أعظم فضل حققته دولة قطر على العدالة الحضارية هو فرض احترام قيم الاسلام الحنيف وتعديل الميزان المختل بين غرب عنصري يريد ترويج ثقافته على أنها ثقافة كونية وعلى مليار ونصف من المسلمين اتباع نهجها وتبني أطروحاتها الدخيلة عليهم كأن الغرب الاستعماري والعنصري قدر الدول الإسلامية فجاء مونديال قطر بروح جديدة فاجأت الفكر العنصري المتطرف لتفرض دولة قطر العربية المسلمة الخليجية رؤيتها للتحالف الإنساني الصادق المتوازن والذي يؤمن بأن العالم في المستقبل أفضل بتعدد الأقطاب الثقافية والجيواستراتيجية فتمسكت قطر بإشراف مباشر من حضرة صاحب السمو أميرها بثوابت دينها ولغتها وقيمها دون أي نكران للحضارات الأخرى المحترمة في العالم وحرصت قطر على إبلاغ صوت الحق للجميع رافضة تحديا مجانيا لقواعد المونديال المعروفة برفع شعارات لا أخلاقية بكل تجلياتها الرخيصة من رموز ورايات وممارسات مرفوضة عند قطر وسائر مجتمعات الفلك الإسلامي وهكذا رجعت طائرة ألمانية من حيث أتت بكل ركابها وصورها المنحرفة واستحقت بعض الفرق الغربية المتطاولة ببلاهة على أخلاقنا صفعات عديدة ومنصفة! هكذا وبتلك الروح القوية بالحق تقلص الباطل كما قال الأستاذ (بورغا) وكان لمونديال قطر هذه السنة إشعاع عالمي رفع من مكانة قطر. كانت تلك التحية الأمينة الصادقة التي وجهها رجل من العلماء الغربيين تشبع بثقافة الاختلاف والاحترام المتبادل وعدم غمط تاريخ وأمجاد الإسلام وتراثه وبالتالي مصالحه الحيوية. ومع الأسف كانت بعض ردود أفعال اللوبيات اليمينية المتعصبة غير وجيهة ومشحونة بالحقد التاريخي فنشرت إحدى صحفهم رسوما تستعيد تاريخ صقر قريش عندما تمكن من هزيمة الأسبان والبرتغال ثم دخل فرنسا وتم إيقاف مسيرته المظفرة (حسب رواياتهم المحرفة للتاريخ) في مدينة (بواتيي) في قلب بلاد الغولوا" التي تسمى اليوم فرنسا! ومن جهته كتب أحد الكتاب مقالا في نفس الوعي قال فيه بالخصوص: "يبدو كأس العالم هذه المرة حدثا كونيا واسعا وتحظى وقائعه بحيوية عالية، لربما لأنه يحدث في بلاد العرب ما يجعله أكثر قدرة على خلق حراك واسع ويشد الجماهير بقوة أكبر، ذلك أن طبيعة الإنسان أن يكون مشدودا للحدث طالما كان قريبا له. لهذا يغدو القول إنه مونديال العرب توصيفا دقيقا وليس مجرد دعاية سياسية كما قد يظن البعض حيث تمكنت قطر أن تنظِّم مونديالا يتجاوز كل التوقعات الغربية، ولهذا وجد البعض أنفسهم غير مستعدين للاعتراف بنجاحها القياسي، وحين عجزوا عن التقاط مثالب لها تخفض من درجة نجاحها ذهبوا لخلق وقائع جانبية بهدف صناعة تشويش مواز للمونديال. هذا دليل بؤس وليس فيه أي ذكاء باعتقادي أن الجماهير الغربية في حالة ذهول وإعجاب كبير بالواقع الذي رأوه في قطر، والجو العام المرافق للمونديال، وسوف يتكشف ذلك خلال ما تبقى من زمن المونديال وما بعده، ستخرج أصوات كثيرة تكشف انطباعاتهم الجوهرية عن هذه النسخة المميزة من كأس العالم. انتصرت قطر سياسيا وإداريا بنجاحها في كسر كل التوقعات السلبية حول قدرتها على تنظيم المونديال، وانتصرت قوميا بتمكنها من استضافة أول نسخة منه على أرض عربية وإذكائها للوجدان العربي وتأكيد جدارته بأن يكون قبلة للعالم، وانتصرت أخلاقيا وقيميا بتمسكها الصارم بمعاييرها الأخلاقية وبلياقة جديرة بالإعجاب".