12 سبتمبر 2025

تسجيل

مفهوم الوطن

19 ديسمبر 2014

يختلف مفهوم الوطن من شخص لآخر ويختلف كذلك الشعور المترتب على هذا المفهوم من إنسان لآخر، لأن المرء غالباً ما يتفاعل مع بيئته المحيطة ومع الحياة بشكل عام وفق هذا المفهوم الذي يراه ويقتنع به والذي يبيّن معناه الحديث الشريف (من كانت هجرته لله ورسوله فهجرته لله ورسوله..الحديث) ولهذا كانت بداية الحديث مفتاحاً لما سيأتي لاحقاً من مخالفات بسبب خلل في المفهوم الذي يجعل المرء يتحرك في اتجاهات خاطئة (من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).إن من يمعن النظر اليوم في شأن الوطن والوطنية يجد اختلافاً عجباً ووجهات مختلفة يدور في فلكها الناس ويبنون عليها تصرفاتهم وأفعالهم تجاه أوطانهم ومن يشاركونهم العيش فوق أراضيها، فهناك من يظن أن الوطن يتلخص في أشخاص معيّنين، وهذه الفئة كثيراً ما نجدها تربط الوطن بشخص الحاكم وتفرده بكل الخصائص التي يتمتع بها الوطن من أرض وتاريخ وشعب.. تختصرها في شخص ذلك الحاكم وفي صفاته إما سلباً أو إيجابا، فالمنتفعون من الحاكم يحبّون أوطانهم - من وجهة نظرهم - بينما هم في الواقع يحبّون الأموال والمنفعة أو المصلحة التي اختصّها الحاكم لهم مما جعلهم يختزلون الوطن في ذات الحاكم فحسب، والمظلومون والمضطهدون من الحاكم يكرهون أوطانهم لأنهم أيضاً أساءوا الحكم وأخطأوا المفهوم فاختزلوا الوطن في الحاكم نكاية على ظلمه واضطهاده لهم مما جعلهم سلبيّين تجاه انتمائهم للوطن كأرض وتاريخ وشعب لا كحاكم، شأنهم في ذلك شأن الفئة الأولى السلبية أيضاً والتي قدّمت منفعتها الخاصة على المنفعة العامة وأساءت التصرف نتيجة ذلك المفهوم الخاطئ الذي بنت عليه مفهوم الوطن وسعت لتحقيقه وإنجازه.وفي المقابل يقوم مفهوم الوطن لدى بعض الحكام أو أصحاب النفوذ أو الأسر الحاكمة أو السياسيين أو القادة أن الوطن ما هو إلا شعب يحتاج إلى قيادة حازمة وقوة عسكرية لإدارته والتحكم في إرادته وطموحه وأحلامه مما جعلنا نرى البعض يتحدث عن أبناء وطنه بتعال وتكبر واضحين، بل وسمعنا من يصف الناس بأنهم جرذان - كالقذافي - وسمعنا من تأفف لمطالب الناس وحاجتهم للزيادات والأراضي والمساكن وكأنه يعتبر الوطن بيتاً كبيراً له وأنه تفضّل على الناس بأن تركهم يسكنون في (ملحق) تابع لقصره! يُخرج لهم كل يوم ما تبقّى من فتات الخبز وبقايا العظم! بل ورأينا من يستنكر مطالب الناس بحجة أنه قد أعطاهم سابقاً كذا وكذا، وأنه بنى لهم مدارس ومستشفيات وزوّدهم بالكهرباء والماء ونحوه! في مغالطة كبيرة تنسب الفضل للحاكم والحكومة لا لله تعالى المعطي والرازق.وأولئك الذين يريدون لأوطانهم أن تسير خلف الغرب شبراً بشبر وذراعاً بذراع ويتمنون فساد المرأة وتحررها ويسعون في أوطانهم فساداً وظلماً هؤلاء أيضاً أبعد ما يكونون عن الوطنية لأنهم لا يريدون له الخير وإنما يريدون إشباع غرائزهم وشهواتهم بإشاعة التعري والانحلال والفساد، وأصبح مؤلماً حقاً أن يتحدث هؤلاء عن الوطنية في أوطانهم رغم (علمانيتهم وليبراليتهم وقوميّتهم) البغيضة بينما يوصف (الإسلاميون) في أوطانهم في بعض بلاد المسلمين بأنهم إرهابيون ومخرّبون وأنهم لا يحبّون أوطانهم! بل على العكس تماماً فهم يحبون أوطانهم أكثر من غيرهم ربما بل ويغارون عليه ويريدون أن يكون وطنهم أفضل الأوطان لأنهم يريدون نشر الخير والإصلاح والفضيلة فيه من خلال نهيهم عن المنكرات من خمور وربا ونحوها مما يغضب الله تعالى ويتسبب في خسائر دنيوية فضلاً عن تخلّف أوطانهم نتيجة تبعيّتها للغرب وتقييد نهضتها وتفوقها على سائر الدول والأوطان.إن مفهوم حب الوطن يجب أن يعاد صياغته في الأذهان إلى كل شيء يحبه الله ورسوله ويرضاه، ويبتعد تماماً عما سواهما من الأقوال والأفعال، فمن يحب وطنه لابد له أن يتقيد بتلك الضوابط وإلا سيتحول حب الوطن في مفهومه إلى حب السلطة أو المال أو المنفعة أو الشهوة أو الفساد، وهذا ما لا نتمناه لبلادنا ولا إلى سائر بلاد المسلمين. (رب اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين).